الرد على من يقول ليس لله كيفية أو كيفاً

شبهة ليس لله كيف والكيف مرفوع

قال الإمام مالك بن أنس: الاستواء معلوم، والكيف مجهول وفي رواية غير معقول وفي رواية مرفوع (انظر تخريجها جميعاً في هذه المقالة)

روي عن الخليل الفراهيدي: عقل: ‌العَقْل: نقيض الجَهْل. عَقَل يَعْقِل عَقْلاً فهو عاقل. والمَعْقُولُ: ما تَعْقِلُه في فؤادك. ويقال: هو ما يُفْهَمُ من ‌العَقْل، وهو ‌العَقْل واحد، كما تقول: عَدِمْتَ َمْعُقولاً أي ما يُفْهَمُ منك من ذهْنٍ أو عَقْل (العين للفراهيدي ط الهلال ج1/ص159)

وصح عن شيخ الشافعية الكيف مجهول كما سيأتي، فيستدل أهل البدع برواية الغير معقول والمرفوع ويتركون رواية "الكيف مجهول" المسندة وبعضهم غْرِبَ كموقع أكاديمية المنهاج وقال فإنه لا سند فيها إلى مالك والاسناد من الدين قلتُ ولعمري ما هذا بصحيح ثم قال "وقد جَاءَ عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليٍّ رَضِي الله عَنهُ أَشْفَى الْبَيَانِ حِين قِيلَ لَهُ أَيْن الله، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي أَيَّنَ الأَيْنَ لَا يُقَالُ لَهُ أَيْن، فَقيل لَهُ: كَيفَ اللهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي كَيَّفَ الكَيْفَ لَا يُقَال لَهُ كَيْفَ). انتهى فأين الإسناد إلى علي بن أبي طالب؟ وأنت تردد شعار "الإسناد من الدين" ففضح نفسه بنفسه وهذا ديدنهم، كلامهم في أوله عسل وفي آخره سم قال جرير بن عبد الحميد الضبي الرازي: كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله (انظر تخريجه في هذه المقالة) وضربت مثالاً للجهمية لكي تعرف التشابه بينهم وبين أهل البدع في التأويل ولا يبحثون في الأسانيد ثم يقولون لا يوجد، ورواية المرفوع في إسنادها ضعفٌ راجعها، لكن لا تخالف بقية الروايات ولم ينكر رواية "الكيف مجهول" أحد من السابقين! والكيف مرفوع يعني لا تسأل عنه وكلام العلماء طافحٌ في هذا

ويؤكد ماذهبنا إلي عن مالك وغيره ما ذكره الترمذي حيث قال الإمام الترمذي: ‌ولا يُقَالُ كيف؟ هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة (سنن الترمذي ط الرسالة ج2/ص202) وقال ابن عبد البر ومثل قوله وجاء ربك والملك صفا صفا كلهم يقول ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف لا يقولون كيف يجيء وكيف يتجلى وكيف ينزل ولا من أين جاء ولا من أين تجلى ولا من أين ينزل لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له وفي قول الله عز وجل فلما تجلى ربه للجبل دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل (التمهيد لابن عبد البر ط المغربية ج7/ص153)


سئل أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الفقيه الترمذي شيخ الشافعية المتوفى 295 هجري: عن حديث إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا فالنزول كيف يكون يبقى فوقه علو؟ فقال أبو جعفر الترمذي: النزول معقول، ‌والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة (انظر تخريجه في هذه المقالة)

قال الدارقطني فيه ثقة مأمون ناسك

فنقول هل ورد عن أحد أنه لا كيف مطلقاً في مثل طبقة الترمذي أو أقدم منه بنص صريح كما أسردنا لكم بنص صريح؟ قلتُ: ولا سبيل لهم إلى هذا إلا بقواعد الفلاسفة وعلم الكلام وقد صح عن الإمام الشافعي: لو ‌علم ‌الناس ‌ما ‌في ‌الكلام في الأهواء لفروا منه كما يفر من الأسد. وقال: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح (انظر تخريجه في هذه المقالة)


وصح عن أبي منصور معمر بن أحمد بن محمد الأصبهاني اللنباني شيخ الصوفية المتوفى 418 هجري الكيف مجهول (انظر تخريجه في هذه المقالة)


قال الإمام يزيد بن هارون الواسطي: هذه الأحاديث التي في الرؤية والعظمة تمر كما جاءت، وتؤخذ بالقبول، لا يقال: لم؟ ولا كيف؟ (انظر تخريجه في هذه المقالة)

قوله كما جاءت ليس التفويض والدليل صح عن يزيد بن هارون نفسه أيضاً من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي (انظر تخريجه في هذه المقالة)

فقد قال لا يُقال كيف! ثم أثبت المعنى بقوله "على خلاف ما يقر في قلوب العامة"

وقال بعض قواد الأمير عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي لإسحاق بن راهويه! أتزعم أنَّ الله ينزل كل ليلة؟ قال إسحاق: نعم، قال: كيف ينزل؟، فقال له إسحاق: أثبته فوق -يعني على العرش- حتى أصف لك النزول. فقال الرجل: أثبَتُّهُ فوق فقال إسحاق: قال الله عزَّ و جلّ: {وجاء ربك والملك صفا صفا} فقال الأمير عبد الله: يا أبا يعقوب! هذا يوم القيامة. فقال إسحاق بن راهويه: أعَزَّ الله الأمير، ومَن يجئ يوم القيامة مَن يمنعه اليوم؟! وفي لفظ قال الأمير كيف ينزل؟ قال: قلت أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف (انظر تخريجه هنا) وفي لفظ قال الأمير له ينزل ويدع عرشه؟ فقال إسحاق بن راهويه يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال نعم، قلت فلم تتكلم في هذا وفي لفظ فلم تنكر؟ (انظر تخريجه هنا) وقال إبراهيم بن أبي صالح الجهمي: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء فقال إسحاق بن راهويه: آمنت برب يفعل ما يشاء (انظر تخريجه في هذه المقالة)

فابن راهويه لم يدخل في الكيفية وإنما وصف له أنه يأتي ببعض ما جاء في القرآن ولم ينكر عليه الكيفية كأن يقول يا هذا لا كيف حتى أصف لك النزول! وبدليل قوله آمنت برب يفعل ما يشاء فدل أن قوله الآخر للأمير "لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف" ليس أنه لا كيف مطلقاً بل لا تسأل كيف


سأل بشر بن السري الإمام حماد ‌بن ‌زيد البصري فقال: يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا يتجول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء (انظر تخريجه في هذه المقالة)

قلت قوله "هو في مكانه" يعني أثبت أن الله على العرش، وقوله "كيف شاء" أي كيف شاء نزل وفيه إثبات أن لله كيفية وهو نظير ما صح عن يحيى بن معين قال: إذا قال لك الجهمي كفرت برب ينزل، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يريد (انظر تخريجه في هذه المقالة) وذلك لقوله تعالى {كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ‌مَا ‌يَشَاءُ} ولقوله {وَيَفْعَلُ اللَّهُ ‌مَا ‌يَشَاءُ} وروي مثله عن الفضيل بن عياض التميمي إذا قال لك جهمي: أنا ‌أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء (انظر تخريجه في هذه المقالة) وكذلك صح مثله عن الإمام إسحاق بن راهويه في مناقشته مع إبراهيم بن أبي صالح الجهمي (انظر تخريجه في هذه المقالة) وزعم بعضهم فقال أثبته في مكانه أي ليس بحركة وانتقال قلت بغض النظر عن الكيفية التي ينزل بها الله عز وجل أتقول أن الله لا ينزل يعني لأنه ملزم أن يكون بحركة وانتقال؟ فإن قلت نعم فقد كذبت الحديث وأعجزت الله وأسقطت ما للمخلوق على الخالق، وإن قلت ينزل لكن أمره وليس هو فنقول يعني الله لا ينزل وإنما أمره هو الذي ينزل، فنقول قد كذبت الحديث مرة أخرى ثم هات الدليل من السلف وقد استدل بعض الجهال بأثر مكذوب على مالك في أنه ينزل أمره (انظر تخريجه في هذه المقالة) وهذه (المقالة أيضاً) ونظير هذا القول في أنهم نفوا النزول معنىً وأثبتوه نصاً وَتَأَوَّلُوهُ ما قال الإمام الترمذي في الجهمية فقال: ذكر الله في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده! وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة (سنن الترمذي ط الرسالة ج2/ص202) فتأمل كيف أن الجهمية لم تنكر النص القرآني وإنما حرفته بالتأويل وبيّن الترمذي معنى مقالتهم "إن الله لم يخلق آدم بيده!" فلا يغرنك قولهم ينزل أمره!


قال الإمام يزيد بن هارون الواسطي: هذه الأحاديث التي في الرؤية والعظمة تمر كما جاءت، وتؤخذ بالقبول، لا يقال: لم؟ ولا كيف؟ (انظر تخريجه في هذه المقالة) وقال الإمام وكيع بن الجراح الكوفي: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت ولا نقول كيف كذا ولا لم كذا (انظر تخريجه هنا)

فلو قلنا لا يُقال كيف أي لا كيف مطلقاً وجب أن لا يكون هناك "لم" مطلقاً وبالتالي فلا حكمة لأن ليس هناك "لم" ولكن الصواب هناك "لم" لكن لا يٌقال لله عز وجل في أشياء "لم" وذلك لقوله تعالى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ‌وَهُمْ ‌يُسْأَلُونَ}


ذُكر عند أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي الباب الذي يروي فيه الرؤية والكرسي وموضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك عز وجل قدمه فيها فتقول: قط قط، وأشباه هذه الأحاديث، فقال: هذه الأحاديث صحاح، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق لا نشك فيها، ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا لا يُفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره (انظر تخريجه في هذه المقالة)

فلو لم يكن هناك كيف لقال أبو عبيد الهروي ليس هناك كيف في الأصل حتى نستطيع تفسيره فتأمل!

هذا والله المستعان وبه العصمة

إرسال تعليق