السلام عليكم ورحمة الله وبعد في هذه المقالة سأعرض أدلة الموجبين لتغطية الوجه ومن ثم أرد عليها وأبين أخطائهم
1) قوله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
قيل (أن الله تعالى أمر المؤمنات بحفظ فروجهن، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العينان تزنيان وزناهما النظر ثم قال والفرج يصدق ذلك أو يكذبه رواه البخاري ومسلم فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد) انتهى
الرد
قلت بل يرتاب العاقل فالآية في الغرب والاستدلال بها بعيد جداً فإذا كان كشفها لوجهها سبب للنظر إليها فأقول لا يرتاب العاقل إن آية {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} قد تعطل عملها وإلا فهل يغض بصره عن الثياب؟ الجواب قطعاً لا من ثم هذا الكلام كله قياس والقياس ليس بحجة بوجود أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث سفعاء الخدين (انظر تخريجه هنا والرد على من انكر دلالة الكشف فيه) وأقوال الصحابة مثل ابن عباس وابن عمر في كشفه الوجه (انظر تخريجها هنا) والتابعين (انظر تخريجها هنا) فمن فهم منهم هذا الكلام؟
2) قيل قوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
- والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة.
- وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت "لما أنزلت هذه الآية أخذن أزورهن. فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها". قال الحافظ ابن حجر: (فاختمرن) أي غطين وجوههن.
الرد
- قلت وهذا أيضاً قياس فإذا كان موضع الجمال والفتنة فنحن على قاعدتكم نوجه لكم السؤال التالي فنقول كيف بالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي نصاً صريحاً في تغطية القدم ولا يعطي نصاً صريحاً في الوجه وهو مجمع المفاتن وأولى من القدم؟ فعليه نحن نقول أيضاً لو كان الوجه واجباً تغطيته لأمر الرسول بذلك بنص صريح كما هو الحال في القدم فإذا كان كذلك فقد بطل استدلالكم هذا من جهة ومن جهة أخرى الأصل في الآية أنها في الجيوب أي الصدور وليس فيها ذكر الوجه البتة فتأملوا في استدلالكم
- وأما بالنسبة للحديث الذي في البخاري وتفسير ابن حجر لقولها فاختمرن بها أي غطين وجوههن قلت هي سبق قلم أراد أن يقول غطين صدورهن فقال وجوههن لأن الآية في الجيوب أي الصدور ونبه الألباني على ذلك وقد رديت عليها في مقالة أخرى بالتفصيل (انظرها هنا)
3) قيل أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقاً إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال {إلا ما ظهر منها} لم يقل إلا ما أظهرن منها ـ وقد فسر بعض السلف: كابن مسعود، والحسن، وابن سيرين، وغيرهم قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) بالرداء والثياب، وما يبدو من أسافل الثياب (أي اطراف الأعضاء) ـ . ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولا يُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة (ومنه الوجه) ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة.
الرد
أما بالنسبة للحسن البصري بأنه فسر {إلا ما ظهر منها} بالثياب فهذا غير صحيح البتة بل قول الحسن هو (الوجه والثياب) أي تظهر للأجنبي الوجه والثياب أخرجه سعيد بن منصور في السنن مطبوعًا بتحقيق سعد (رقم الحديث 1571) والطبري في التفسير ت شاكر (ج19/ص158) وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (ج2/ص586) نا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن في قوله عز وجل (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والثياب. إسناده صحيح خالد بن عبد الله هو الطحان ويونس هو ابن عبيد الله وفي لفظ ابن أبي الدنيا (ما ظهر منها) الوجه والثياب. وله طريق آخر أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج19/ص158) حدثنا ابن بشار، قال ثنا ابن أبي عدي، وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الوجه والثياب. إسناده صحيح
وأما بالنسبة لقول ابن مسعود أنه فسرها بالثياب فهذا صحيح ولكن نحن بالمقابل لدينا قول ابن عباس وابن عمر وقد خرجت طرق قولهما بالتفصيل في مقالة أخرى (انظرها هنا) فماذا كان؟
4) قيل قوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن) يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْـل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفاً من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه. فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالاً بقدم امرأة لا يدري ماهي وما جمالها؟ ولا يدري أشابة هي أم عجوز؟ ولا يدري أشوهاء هي أم حسناء ؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شباباً ونضارة وحسناً وجمالاً وتجميلاً بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها؟
الرد
قلت نفس الرد السابق وبنفس أسلوبكم كيف بالنبي صلى الله عليه وسلم يعطي نصاً صريحاً في تغطية القدم ولا يعطي نصاً صريحاً في الوجه وهو مجمع المفاتن وأولى من القدم؟ فعليه نحن نقول أيضاً لو كان الوجه واجباً تغطيته لأمر الرسول بنص صريح بذلك لأن الوجه أولى من القدم!
5) قيل قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
- وجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحاً لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة. وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملاً للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة. ومن قوله تعالى (غير متبرجات بزينة) دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له.
- ومعلوم أن العجوز لا يجوز لها أن تكشف شعرها أمام الأجنبي... فما هي الثياب التي يجوز لها وضعها؟ هو غطاء الوجه قال الآلوسي: وفي ذلك دليل على أنه إنما أباح للعجوز وضع ردائها بين يدي الرجال بعد أن تكون مغطاة الرأس، وأباح لها بذلك كشف وجهها ويدها لأنها لا تُشتَهى إذن... غير العجوز يجب عليها أن تغطي وجهها!
الرد
- قلت أما بالنسبة للأول قلت التي تكشف وجهها فإنها تريد الزينة فهذا غلط بل الرجل يراها زينة أما المرأة في زمننا هذا على سبيل المثال فلو أظهرت وجهها فإنها في الأساس لا تعتبر ذلك زينة بالنسبة لها حتى تريد به الزينة بل عند وضعهم المكياج عندها يُقال تريد به الزينة فإن قلتم الرجال يرونها زينة فلنا قوله تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}
- وأما بالنسبة للثاني قلت صح عن الصحابة ابن عباس وابن عمر وابن مسعود بأنهم فسروا ثيابهن بالجلباب (انظر تخريج طرق أقوالهم هنا وبيان صحتها) وأنتم بتفسيركم هذا تقولون الجلباب غطاء الوجه فقط وهذا باطل بل الجلباب وظيفته أوسع من ذلك قلت وللعلم هذا تناقض فمرة تقولون الخمار غطاء الوجه ومرة الجلباب غطاء الوجه وهذا تناقض لم تفطنوا له والمفروض واحد منهما يكون غطاء الوجه فقط بدليل أنهم عندما قالوا يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ أي جلبابها سينكشف وجهها وبالتالي برهنوا هم بشكل لا شعوري إن الخمار ليس غطاء الوجه وإلا لبقي الوجه مغطى حتى بعد أن تضع الجلباب لأن الخمار ما زال موجوداً!
6) قيل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
- قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة.
- وقوله (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) التي تكشف وجهها هل تُعرفُ أم لا؟ تُعرَفُ بالطبع إذن المقصود أن تغطي وجهها حتى لا تُعرَف.
الرد
- بالنسبة لرواية ابن عباس فهي ضعيفة السند وهي عند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهذا السند منقطع بإجماع العلماء وفي السند إليه راوٍ متكلم فيه قال العلماء دخل في أحاديثه أحاديث موضوعة - يعني مكذوبة - لأنه مغفل مع أنه صدوق في نفسه ولذلك يأتي من هذا السند منكرات أحياناً وقد تكلمت على هذا السند بالتفصيل في مقالة أخرى وضربت له مثالاً (انظرها هنا) من ثم هو مخالف لما صح عن ابن عباس في تفسيره لصفة الإدناء وقد كنت رديت على هذه الشبهة في مقالة أخرى (انظرها هنا) ويخالف أيضاً ما صح عن ابن عباس في الزينة الظاهرة إنها الوجه والكفان (انظر تخريجه هنا)
- وأما بالنسبة لـِ (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ) فقد رديت عليها في مقالة أخرى بالتفصيل (انظرها هنا)
7) قيل قوله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم. وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك. فإن قيل: ليس في الحديث بيان ما ينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر؟ فالجواب: أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب.
الرد
قلت هذا في النظر فما علاقته هذا بتغطية الوجه؟ فعندما المرأة تكون كاشفة لوجهها فليس عليها شيء إنما الذي ينظر إليها هو الذي عليه جناح أي إثم ولهذا قال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري أخرجه مسلم في صحيحه وهذا الحديث الذي هم وضعوه حجة عليهم لأنه في آخره قال النبي (إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم) فكيف سينظر إليها دون علمها؟ أفي بيتها؟ الجواب كلا لأنه الغالب في بيتها ستعلم أنه جاء ليخطبها، إنما يقصد خارج البيت أي في الشارع وبذلك لن تعلم الفتاة وستكون مكشوفة الوجه ويدل على ذلك فعل الصحابي جابر حيث صح عنه أنه قال خطبت جارية من بني سلمة، فكنت أختبئ لها تحت الكرب حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها (انظر تخريجه في هذه المقالة) فهل رأى ثيابها فأعجبته ثم تزوجها؟! أم كان يراقبها في بيتها؟
8) قيل ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحدٌ من الغلس.
وجه الدلالة: النساء كانوا لا يُعرَفن عند انصرافهن من المسجد لأنهن متلفعات بمروطهن يعني يلففنه على رأسهن ويغطين وجوههن.
الرد
هذا باطل بل لا يُعرفن بسبب الغلس يعني الظلمة عند الفجر بنص الحديث وليس بسبب المروط أفنصدق الحديث أم نصدق تفسيرهم؟ وفي لفظ عند أبي يعلى قالت عائشة رأيتنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر في مروطنا، وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض. انتهى قلت وذلك بسبب الغلس لم يكن يعرفن وجوه بعضهن البعض.
9) حديث المرأة عورة
الرد
قلت اختلف على هذا الحديث فقالوا في بعض التحقيقات هو من قول ابن مسعود موقوفاً وقال آخرون هو مرفوع إلى النبي قلت سواء كان هذا أو ذاك فهل صوت المرأة عورة؟ الجواب قطعاً لا ومع ذلك فلن أخوض كثيراً وسأكتفي بنقل رد الألباني على هذا الحديث حيث قال في السلسلة الصحيحة (ج6/ص424): يطيب لبعض المتشددين على المرأة أن يستدلوا بهذا الحديث على أن وجه المرأة عورة على الأجانب، ولا دليل فيه البتة، لأن المعنى كما قال ابن الأثير في النهاية: جعلها نفسها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت. ويؤكد هذا المعنى تمام الحديث: "وإذا خرجت استشرفها الشيطان". قال الشيخ علي القاري في المرقاة: أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها، ويغوي بها ". وأصل (الاستشراف) أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه. "نهاية". وإن مما لا شك فيه أن الاستشراف المذكور يشمل المرأة ولو كانت ساترة لوجهها، فهي عورة على كل حال عند خروجها، فلا علاقة للحديث بكون وجه المرأة عورة بالمعنى الفقهي، فتأمل منصفاً
هذا وبالله التوفيق