السلام عليكم ورحمة الله
قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
فأقول رأيهم بأن معناه "علو مرتبة" أو "علو مكانة" لا يصح من جهتين
أولاً: لأن هذا يلزمه أن الله لم يكن قبل الاستواء في علو المرتبة والمكانة ثم عندما استوى أصبح في علو المكانة والمرتبة، والله في علو الرتبة والمكانة في الأزل وما زال وأما استواء الله فلم يكن في الأزل بل بعد خلق العرش بدليل "ثم"
ثانياً: صح عن أيوب بن كيسان السختياني قال مدار المعتزلة أنه ليس في السماء إله وكذلك عن حماد بن زيد البصري في الجهمية (انظر تخريجه في هذه المقالة) ومثله عن عباد بن العوام (انظر تخريجه في هذه المقالة) وعن يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي (انظر تخريجه في هذه المقالة) وكذلك عن جرير بن عبد الحميد الضبي (انظر تخريجه في هذه المقالة) وقال أبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني: سألته -يعني أحمد بن حنبل- فيما بيني وبينه واستفهمته وأستثبته فقلتُ: يا أبا عبد الله قد بلينا بهؤلاء الجهمية ما تقول فيمن قال إن الله ليس على العرش قال: كلامهم كلهم يدور على الكفر (العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية المروذي وغيره ت صبحي السامرائي ص157-158)
فالسؤال هو هؤلاء يقصدون أن الله ليس في السماء ليس الله في علو المرتبة والمكانة؟ قطعاً لا، فلو كان هكذا لكفروا بهذا بل هم المعتزلة والجهمية وغيرهم كلهم يثبتون أن الله في علو المكانة والمرتبة وما تأويلاتهم إلا لينزهوه في زعمهم، فإذاً ماذا بقي؟ بقي الله هو الذي على العرش ونقل البخاري في خلق أفعال العباد عميرة (ص30) عن سعيد بن عامر قال الجهمية أشر قولاً من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى، وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء. ونقل الترمذي عن الجهمية في خلق الله آدم بيده فقالوا معنى اليد هو القوة فقال الترمذي قالت الجهمية الله لم يخلق آدم بيده (سنن الترمذي ط الرسالة ج2/ص202) فالجهمية لم تنفِ النص القرآني إنما تأوّلت معناه فنفت ولهذا قال يزيد بن هارون: الجهمية غلت ففرغت في غلوها إلى أن نفت (انظر تخريجه في هذه المقالة) وكذلك هؤلاء تأوّلوا فنفوا أن الله في السماء على عرشه
فقال بعض أهل البدع: {وهو القاهر فوق عباده} فهل الله لم يكن قاهراً ثم أصبح قاهراً؟.
قلتُ: سبحان الله يريدون بهذا أن يقولوا استوى يعني استولى فأقول فأين "ثم"؟ فالآية تقول هو القاهر في الأزل وما زال، أما الاستواء فهو بعد خلق العرش بدليل "ثم"
فإن قيل لنا فهل عندما ارتفع بزعمك أكان تحت العرش ثم أصبح فوق العرش؟ فنقول فهل تتخيل الله كالبشر لأنه لم يقع في عقلك هذا ألا لأنك شبهته بخلقه فتخيلته؟ فنقول أما الاستواء فهو صفة فعل وأما المكانة فليست كذلك لأنه ملازم لله في الأزل وأما الاستواء فكان بعد خلق العرش.
وكذلك للذين يقولون الاستيلاء فنقول وهل كان كان قبل الاستواء العرش ليس في ملكه ثم أصبح في ملكه؟ فإن قال لا ألزم نفسه
ولو قلت لك ضع في عقلك الله ليس كمثله شيء ثم قلت لك تخيله فماذا سيكون؟ ستشبهه بالخلق وستقول أعلم معنى ليس كمثله شيء لكن عقلي لا يدرك ذلك فيشبهه بخلقه قلتُ وكذلك قولنا علا وارتفع
قلنا أما قولنا فهو قول سلف الأمة وأما قولك فهو قول جماعة من خلف الأمة ويؤيد ما قلناه قال البخاري قال ابن مسعود في قوله {ثم استوى على العرش} قال: العرش على الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه (انظر تخريجه في هذه المقالة) فهل البخاري ينقل التجسيم والتشبيه!
وقال البخاري في صحيحه وقال مجاهد: {استوى} عَلَا {على العرش}.
وما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قضى [ولفظ مسلم: لما خلق] الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي. وقد حاول حسن السقاف تضعيف جملة "فهو عنده فوق العرش" فقال: هي من زيادات وتصرفات الرواة!. قلتُ: وتضعيفه يدل على أن ما فهمناه من الحديث صحيح فالحمد لله! وأقول ليست من تصرف الرواة فقد توبع الأعرج تابعه ثلاثة حيث أخرجه البخاري ط السلطانية (ج9/ص160) من طريق أبي رافع، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق كتب كتاباً عنده غلبت أو قال: سبقت رحمتي غضبي، فهو عنده فوق العرش. وأخرجه البخاري (ج9/ص120) أيضاً من طريق أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، هو يكتب على نفسه، وهو وضعٌ عنده على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي. وأخرجه أحمد بن حنبل ي المسند ط الرسالة (ج13/ص475) من طريق همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما قضى الله الخلق، كتب كتاباً، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي.
وصح عن الإمام عبد الله بن المبارك المرْوزي كيف نعرف ربنا؟ قال: هو على العرش فوق سبع سموات وعلمه وأمره في كل موضع (انظر تخريج قول ابن المبارك في هذه المقالة)
وصح عن الإمام يحيى بن معين: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل: كيف صعد؟ وفي لفظ كفرت برب ينزل، قال يحيى فقل: أنا أؤمن برب يفعل ما يريد (انظر تخريجه في هذه المقالة) وكذلك صح عن الإمام إسحاق بن راهويه في مناقشته مع إبراهيم بن أبي صالح الجهمي حيث قال: كفرتُ برب ينزل من سماء إلى سماء فقال إسحاق بن راهويه: آمنت برب يفعل ما يشاء (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وصدق السلف عندما قالوا الرأي شر
صح عن الشعبي قال: إنما هلكتم حيث تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وقال ابن سيرين: أول من قاس إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وقيل لأيوب بن كيسان السختياني: ما لك لا تنظر في الرأي؟ فقال أيوب: قيل للحمار ما لك لا تجتر؟ قال: أكره مضغ الباطل (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وقال الإمام الأوزاعي: عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس وإياك ورأي الرجال وإن زَخْرَفُوهُ بالقول (انظر تخريجه في هذه المقالة)
يزخرفوه بالقول والرأي فيجعلونه حسناً بالرأي فتنخدع وتقول هذا هو الحق، وهو يكون باطلاً في نفسه
وقال الصحابي سهل بن حنيف: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم. أخرجه البخاري في صحيحه ط السلطانية (ج9/ص100)
وقال أبو مجلز لاحق بن حميد للصحابي ابن عمر أرأيت أرأيت؟ فقال ابن عمر اجعل أرأيت عند ذاك الكوكب وأشار إلى السماء (انظر تخريجه في هذه المقالة)
والمعنى اضرب برأيك عرض الحائط
وقال أبو بكر الزبرقان بن عبد الله الأسدي نهاني أبو وائل شقيق بن سلمة أن أجالس أصحاب أرأيت أرأيت (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وقال أبو الزناد عبد الله بن ذكواني المدني: إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي والتفكير، ولو فعل الناس ذلك لم يمض يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تلزم ويتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه ولعمري إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيراً على خلاف الرأي (انظر تخريجه في هذه المقالة بالتفصيل)
ولهذا قال يونس بن سليمان السقطي نظرت في الرأي فإذا فيه المكر والغدر والحيل وقطيعة الأرحام وجماع الشر فيه (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وقال الإمام الشعبي رحمه الله: ما كلمة أبغض إلي من أرأيت أرأيت (انظر تخريجه في هذه المقالة)
هذا والله المستعان