قال ابن عباس في قوله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}: أُمرت المرأة إذا خرجت لحاجتها أن تغطي وجهها ولا تبدي إلا عيناً واحدة.
حكم الأثر: منكر، فابن عباس كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم ويرون النساء في الشارع والنقاب فيه نقبان أي العينان تظهران ثم ابن عباس يخالف إقرار النبي ويقول يجب أن تخرج المرأة بعين واحدة فقط! والصحيح عن ابن عباس كشف الوجه (انظر تخريجه في هذه المقالة)
أما هذا فقد أخرجه الطبري في التفسير ط التربية والتراث (ج20/ص324) حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس، قوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
أولا: السند
- أبو صالح هو عبد الله بن صالح كاتب الليث ضعيف قال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه وكانت فيه غفلة. قلت قوله "صدوق كثير الغلط" يعني ضعيف ولكن هذا الإسناد هو صحيفة أي كتاب فقال ابن حجر ثبت في كتابه وهذا يعني يحتج به ويصحح ما يقوله من كتابه فاحتج البعض بقول ابن حجر قلت قول ابن حجر ثبت كتاب أخذها من الإمام يحيى بن معين حيث قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج5/ص260) وقال أبو هارون الخريبي ما رأيت أثبت من أبي صالح قال وسمعت يحيى بن معين يقول هما ثبتان ثبت حفظ وثبت كتاب وأبو صالح كاتب الليث ثبت كتاب. انتهى بتصرف
ولكن هذا لا يثبت عن يحيى بن معين والدليل في كتاب فوائد عبد الوهاب ابن منده مطبوعاً ج2/ص103) وضمن هذا الكتاب نسخة إبراهيم بن سعد أبي إسحاق الأزهري وفي آخره بعد الحديث (برقم 1499) مباشرة تجد السند وهو كالآتي أخبرنا أبو محمد الحسن بن رشيق إجازة حدثنا أبو القاسم الحسن بن آدم العسقلاني حدثنا أبو هارون الحضرمي (كذاب) سمعت إبراهيم بن سعد سمعت يحيى بن معين يقول ثبتان ثبت حفظ وثبت كتاب قلت يا أبا زكريا فأيهما أحب إليك؟ قال ثبت كتاب، قال يحيى: وأبو صالح كاتب الليث ثبت كتاب، قال أبو هارون ما رأيت أثبت من أبي صالح. انتهى
قلت أبو هارون الحضرمي تصحيف أو خطأ من الناسخ فعدت إلى مخطوطة الظاهرية لنسخة ثانية لإبراهيم بن سعد وهي موجودة على موقع ألوكة فإذا به هو أبو هارون الجبريني وهذا اسمه إسماعيل بن محمد بن يوسف الثقفي الفلسطيني كذاب ورواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (ج2/ص38) حدثني أبو القاسم الأزهري، نا محمد بن المظفر، نا الحسن بن آدم، قال: حدثني إسماعيل بن محمد الجبريني (هذا هو راوينا الكذاب أبو هارون)، قال: سمعت يحيى بن معين، يقول: هما ثبت حفظ وثبت كتاب قال: فقلت له يا أبا زكريا أيهما أحب إليك ثبت حفظ أو ثبت كتاب قال: ثبت كتاب. قلت إبراهيم بن سعد سقط من السند
- شيء آخر أبو صالح عبد الله بن صالح أُدْخِلَتْ في كتبه أحاديث موضوعة مكذوبة من قبل الكذابين فهل تأمنه على هذا الأثر؟ والأدلة:
1- قال أبو حاتم الرازي الأحاديث التي أخرجها أبو صالح -يعني عبد الله بن صالح- في آخر عمره التي أنكروا عليه نرى أن هذه مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وكان سليم الناحية، وكان خالد ابن نجيح يفتعل الحديث ويضعه في كتب الناس، ولم يكن وزن أبي صالح وزن الكذب، كان رجلاً صالحاً (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 5/ص87)
2- قال ابن حبان سمعت ابن خزيمة يقول كان له جار بينه وبينه عداوة فكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله بن صالح ويطرح في داره في وسط كتبه فيجده عبد الله فيحدث به فيتوهم أنه خطه وسماعه فمن ناحيته وقع المناكير في أخباره (المجروحين لابن حبان ت حمدي ج10/ص534)
3- قال أبو زرعة الرازي وكان خالد يضع في كتب الشيوخ ما لم يسمعوا ويدلس لهم فبلوا به وبلى به أبو صالح [يعني عبد الله بن صالح] (الضعفاء لأبي زرعة الرازي ج3/ص391)
- شيء آخر علي بن أبي طلحة قلت لم يسمع من ابن عباس بالإجماع وقال بعضهم لا يتابع على تفسيره وغير معتمد والأدلة
1- قال أحمد بن حنبل على بن أبي طلحة الذي يروي تفسير، عَن ابن عباس لم ير ابن عباس (الأسامي والكنى للحاكم الكبير ذكره مرتين مرة الجزء الثاني الترجمة برقم 1561 ص290 ومرة الجزء الرابع الترجمة برقم 3553 ص367 بتحقيق أبي عمر محمد بن علي الأزهري)
2- قال أبو أحمد الحاكم الكبير لم يسمع من ابن عباس شيئاً ولا يتابع في تفسيره عن ابن عباس (الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم بتحقيق أبي عمر محمد بن علي الأزهري ج2/ص289-290)
3- قال أبو بكر بن مَنْجُويَه: تفسيره غير معتمد يقال إنه لم ير ابن عباس (رجال صحيح مسلم لابن منجويه ج2/ص56)
4- قال يحيى بن معين علي بن أبي طلحة روى عنه بديل في التفسير ولم يسمع من ابن عباس شيئاً فروى مرسلاً (كتاب من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال رواية طهمان ص85)
5- قال أبو حاتم الرازي: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن سعد ومحمد بن زيد (المراسيل لابن أبي حاتم ص140)
وهنا لي وقفة فلم أكن أظن أن أناساً سيقولون أن أبا حاتم يقصد أن الواسطة بين علي وابن عباس هم مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن سعد ومحمد بن يزيد وهذا قول باطل ثم سألني أحد الإخوة عن هذا فأقول سأوضح وكمثال قال أبو حاتم الرازي "مجاهد لم يدرك سعداً إنما يروي عن مصعب بن سعد عن سعد". فهنا صرح أبو حاتم وقال مجاهد يروي "عن مصعب بن سعد عن سعد" فهل قال أبو حاتم هذا في علي بن أبي طلحة يروي عن مجاهد عن ابن عباس مثلاً! فالإجابة كلا وبهذا فإن أبا حاتم يقصد أن علي بن أبي طلحة لا يروي عن الصحابة إنما يروي عن التابعين أمثال مجاهد والقاسم وراشد وغيره وبالتالي فروايته عن ابن عباس والصحابة مرسلة
مثال آخر قال عبد الرحمن بن أبي حاتم سألت أبي -يعني أبا حاتم الرازي- عن يحيى بن راشد عن الحسن هل سمع من الحسن قال لا إنما يروي عن يونس عن الحسن قال أبي لم يدرك الحسن (المراسيل ط لابن أبي حاتم الرسالة ص247)
6- قال دحيم الدمشقي علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير هو مرسل (المراسيل لابن أبي حاتم ص140)
7- قال ابن حبان وهو الذي يروى عن بن عباس الناسخ والمنسوخ ولم يره (الثقات لابن حبان ج7/ص211)
8- قال الخطيب البغدادي وأرسل رواية التفسير عن عبد الله بن عباس (موضح أوهام الجمع والتفريق ج1/ص353)
9- قال أبو يعلى الخليلي وأجمع الحفاظ على أن ابن أبي طلحة لم يسمعه من ابن عباس (الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي ج1/ص393)
- بعض من قال الواسطة بين علي وابن عباس لا أحد! يعني يكون قد أخذها من مكان ما
سئل الحافظ أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي المعروف بجزرة المتوفى 293 هجري عن علي بن أبي طلحة ممن سمع التفسير؟ قال: من لا أحد! (انظر تخريجه في هذه المقالة)
- والبعض قال الواسطة بين علي بن أبي طلحة وابن عباس مجاهد وعكرمة وهما ثقتان فلا يضر قلت وكيف عرفتم؟
الجواب
1- أبو جعفر النحاس المتوفى (338 هجري) في كتابه الناسخ والمنسوخ (ص75) قال النحاس والذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وعكرمة وهذا القول لا يوجب طعنًا لأنه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقة صدوق انتهى ثم أردف كلام أحمد في تقوية الصحيفة وهو ما أسنده في كتابه الناسخ والمنسوخ وأيضا أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح مشكل الآثار وفيه قال الإمام أحمد "بمصر كتاب معاوية بن صالح في التأويل، لو دخل رجل إلى مصر، فكتبه ثم انصرف به ما رأيت رجليه ذهبت باطلا" وسنده إلى أحمد بن حنبل حسن فيه الحسين بن فهم قال الدارقطني ليس بالقوي ووثقه الخطيب فهو حسن
الرد
قلت لا يعني قول أحمد بن حنبل أن هذه الصحيفة صحيحة بل هي تقوية فقط يعني في الشواهد والمتابعات حيث روى محمد بن عبد الرحمن البغدادي وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني كلاهما عن أبي الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قال لي أحمد بن حنبل: علي بن أبي طلحة له أشياء منكرات (انظر الضعفاء الكبير للعقيلي ج3/ص234، والعلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل رواية المروذي وغيره ت وصي الله عباس ص205)
وأما بالنسبة لكلام النحاس فلم نفهم لكن كأن أحداً قال الواسطة عكرمة ومجاهد ولذلك فهو منقطع فرد النحاس عليه وقال لا بل هو متصل لكن من هؤلاء؟ لا نعلم، إذاً هم مجهولون وإذا أخذ النحاس بهذه الواسطة نقول كيف علمت الواسطة فأنت متأخر عن العلماء المتقدمين وقد ذكرنا أقوالهم ولم يثبت الواسطة أحد منهم وبالتالي فكلامك مردود لأننا لا نأخذ العلم من مجاهيل!
2- أبو جعفر الطحاوي المتوفى (321 هجري) في كتابه شرح معاني الآثار (ج3/ص279) قال إلى ما احتجوا به في ذلك من خبر ابن عباس رضي الله عنهما الذي رويناه في صدر هذا الكتاب وإن كان خبرا منقطعاً لا يثبت مثله غير أن قوما من أهل العلم بالآثار يقولون: إنه صحيح وإن علي بن أبي طلحة وإن كان لم يكن رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذ ذلك عن مجاهد وعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما. انتهى ثم أردف كلام أحمد في تقوية الصحيفة
الرد
قومًا من أهل العلم مجهولون لأننا لا نعرفهم! فنحن لا نأخذ ديننا من مجاهيل ونكرر لم يردنا عن الأئمة المتقدمين الحذق سوى نفيهم للسماع فكلامه مردود أيضاً
وزعم البعض أن البخاري احتج أو اعتمد على تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بها في صحيحه
قلت هنا نقطتان
الأولى: البخاري لم يحتج بعبد الله بن صالح الذي في سنده فكيف يحتج بطريقه، والمعلق ليس على شرطه
الثانية: عبد الله بن صالح ضعيف وهو شيخ البخاري وقال البخاري "وكل رجل لا أعرف صحيح حديثه من سقيمه لا أروي عنه ولا أكتب حديثه". والبخاري روى عنه معلقاً وليس في الأصول وهذا يعني أنه يعرف صحيح حديثه من ضعيفه، فهل أنتم مثل الإمام البخاري في معرفته لشيخه؟ فإن قلتم نعم فقد كذبتم، وإن قلتم لا، فنقول هذا الإسناد يأتي منه مناكير في تفاسير آيات أخرى وغير ذلك (انظر هذه المقالة وفي آخرها ستجد أمثلة على المناكير من هذا الإسناد عن ابن عباس) وحتى من علماء الحديث من أصحاب تغطية الوجه أقروا ذلك، فكيف علمتم بأن هذا ليس بمنكر؟ وهو يخالف النقاب الذي له ثقبان ولم يعمل بهذا المسلمات ويخالف قول ابن عباس في الزينة الظاهرة الذي هو كشف الوجه؟ (انظر تخريج أثر ابن عباس في هذه المقالة بالتفصيل)
شبهة أخرى: بعضهم يأخذون بزلات العلماء فيقول ثبت أن ابن عباس أمر بكشف الوجه وثبت عنه -قلتُ مع أنه ضعيف- المهم ثبت عنه التغطية فيقولون الأولى الجمع بين الأثرين وبالتالي فقد نسخ قول ابن عباس يعني في الأول كان الكشف ثم أصبح ابن عباس على التغطية وقال بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية فنقول رداً على هذا
1- هل زعم أحد من أصحاب ابن عباس يعني تلاميذه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء الذين مذهبهم كشف الوجه أن ابن عباس غير رأيه؟ الجواب كلا (انظر تخريج آثار تلاميذ ابن عباس في هذه المقالة)
2- هل فهم أحد قول ابن عباس من أتباع التابعين وقال قد نسخ؟ الجواب كلا
3- هل فهم أحد هذا الكلام من العلماء المتقدمين كالبخاري ومسلم وأحمد بن حنبل أو أي أحد من هذه الطبقة؟ الجواب كلا
فأقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بنى هذا على إسناد علي بن أبي طلحة الضعيف أما النسخ فيحتاج إسناد صحيح مع إسناد صحيح عندها نقول نُسخ أما أن يأتي الإسناد الصحيح عن ابن عباس بالكشف ثم نأتي بإسناد أقل ما يُقال فيه اختلاف ثم نحاول التوفيق بينهم؟ ألا ترى أن حجتك مرجوحة وحجتنا الراجحة أم ما في قلبك لا يريد؟
قلت زلات العلماء يجب أن لا يؤخذ بها وانظر هذه المقالة فيها أقوال الصحابة وغيرهم عن زلات العلماء بعنوان (قضية تتبع أهل البدع لزلات العلماء)
وهناك رواية أخرى عن ابن عباس تدل على كشف الوجه
أيضاً أخرجها الطبري في التفسير ط التربية والتراث (ج20/ص324) حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس، قوله {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن … } إلى قوله {وكان الله غفورا رحيما} قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشد على جبينها.
وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء
هذا والله أعلم