قبل أن أبدأ فقد زعم بعض القوم أن عثمان قال طلاق السكران ليس بشيء أي لا يقع ولا يعرف مخالفًا له من الصحابة مقلدين في ذلك قلت وهذا غير صحيح بل جاء عن معاوية بن أبي سفيان أن طلاق السكران يقع كما سيأتي
نبدأ على بركة الله ونقول طلاق السكران ليس بشيء لا يقع لأنه سكران والأدلة
الدليل الأول: أخرج مسلم في صحيحه في قصة رجم ماعز بن مالك عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال طهرني - يعني زنيت فارجمني - وفيها سأل رسول الله الناس أبه جنون؟ فَأُخْبِرَ أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرًا؟ فقام رجل فاستنكهه، فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ فقال: نعم ، فأمر به فرجم.
قال البيهقي في الخلافيات (ج6/ص294) قال أصحابنا إنما سأله عن شربه الخمر؛ لكي يبطل إقراره بالزنا، إن كان سكرانًا، وإذا كان إقراره بالزنا ساقطًا كان طلاقه هدرًا.
يعني لو أن الرجل قال إني شربت الخمر فليس عليه شيء أي لن يرجم ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم الناس أيضًا أبه جنون؟ فلو قالوا نعم لم يكن ليرجمه
الدليل الثاني: أخرج البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب وفيه فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل -: يعني إذ عقر شارفي علي وهو يشرب مع قوم من الأنصار، قال علي: فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فقال له حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص عليه الصلاة والسلام على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا معه.
قال ابن حزم فهذا حمزة رضي الله عنه يقول وهو سكران ما لو قاله (يقصد ابن حزم قوله هل أنتم إلا عبيد لأبي) غير سكران لكفر، وقد أعاذه الله من ذلك فصح أن السكران غير مؤاخذ بما يفعل جملة (المحلى بالآثار لابن حزم ج9/ص476)
الدليل الثالث: صح عن الصحابي عثمان بن عفان أنه قال ليس لسكران طلاق (انظر تخريج أسانيده في هذه المقالة)
لكن جاء ما ظاهره يخالف هذا وهو ما صح عن الصحابي علي بن أبي طالب أنه قال من طلق أجزنا طلاقه إلا طلاق المعتوه (انظر تخريج أسانيده في هذه المقالة)
فعلي بن أبي طالب لم يستثني إلا المعتوه وظاهر هذا يدل أن طلاق غيره كالسكران واقع لكن أجاب البيهقي عن قول علي بن أبي طالب هذا كما في كتابه الخلافيات (ج6/ص298) هذا لا يخالف قول عثمان؛ فالمعتوه إنما لم يقع طلاقه لزوال عقله، والسكران في معناه فلم يقع طلاقه، كما لم يقع طلاق المعتوه. انتهى وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (ج12/ص245) أن الذي رويناه عن علي، وعن معاوية ليس بمخالف لما رويناه عن عثمان مما ذكرنا؛ لأن العته قد يكون من الجنون، وقد يكون من السكر كما يكون من الجنون، فعاد معنى قولهما في ذلك إلى قول عثمان فيه
قلت ومن الأدلة التي استشهدوا بها على هذا أن قول علي بن أبي طالب في أنه لا يقصد المعتوه فقط إنما أيضاً من هو في معنى المعتوه هو ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت كمال (ج4/ص82) من طريق يزيد بن هارون ووكيع وأخرجه ابن حزم في المحلى بالآثار (ج9/ص463) من طريق عبد الرحمن بن مهدي وأخرجه البيهقي في الخلافيات (ج6/ص288) من طريق أبي بكر يحيى بن حسان التنيسي ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن حميد - هو الطويل -، عن الحسن -هو البصري -، عن علي - يعني ابن أبي طالب -، أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا. رجاله ثقات إلا أن الحسن مدلس وقال العلماء لم يسمع من علي إنما رآه رؤية وقال بعضهم قد سمع قلت هو مدلس فإذا لم يصرح بالتحديث فليس بحجة
وخالفهم في هذا الصحابي معاوية بن أبي سفيان فقد صح عنه أنه أجاز طلاق السكران (انظر تخريجه بالتفصيل في هذه المقالة)
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه أجاز طلاق السكران لكن في أسانيده ضعف (انظر تخريجه في هذه المقالة بالتفصيل)
قلت والراجح هو قول عثمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا روي عنه في معنى هذا كما تقدم في الدليل الأول والثاني وعليه فإن طلاق السكران لا يقع
هذا والله تعالى أعلم