هل بقي رسول الله ثلاث سنوات بعد أن سمته اليهودية ثم توفي؟

السلام عليكم ورحمة الله

فقد روي ذلك عن التابعي عروة بن الزبير بإسناد ضعيف وثبت عن الزهري والزهري تلميذ عروة بن الزبير

قلت وبعد أن أخرجها سنناقش لكي نصل إلى خلاصة

أما قول عروة بن الزبير

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج2/ص34) حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثني أبي، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: لما فتح الله عز وجل خيبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل من قتل منهم، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي بنت أخي مرحب شاة مصلية، وسمته فيها وأكثرت في الكتف، والذراع حين أخبرت أنها أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، قدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول الكتف، والذراع فانتهس منها، وتناول بشر عظما آخر فانتهس منه، فلما أدغم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدغم بشر ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارفعوا أيديكم فإن كتف الشاة تخبرني، أن قد بغيت فيها، فقال بشر بن البراء: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فإن منعني أن ألفظها إلا أني كرهت أن أنغص طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا يكون أدغمتها، وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه، حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه منه، حتى كان ما يتحول إلا ما حول، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي مات فيه.

قلت وقد صرح ابن لهيعة بالتحديث أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (ج4/ص263) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو جعفر البغدادي، قال حدثنا أبو علاثة، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير.

إسناده ضعيف

- أبو جعفر البغدادي هو  محمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن جميل نزيل سمرقند ثقة
- أبو علاثة هو محمد بن عمرو بن خالد الحراني قال أبو الحسن ابن القطان وأما ابنه محمد فيكنى أبا علاثة حدث عن أبيه وغيره وكان ثقة قاله أبو سعيد بن يونس في كتابه في تاريخ المصريين (بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام لابن القطان 535/3)
- ابن لهيعة صدوق ضعيف وقد صرح بالتحديث
- أبي هو أبو الحسن عمرو بن خالد الحراني قال أبو حاتم الرازي صدوق (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج6/ص230)
- أبو الأسود هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي المدني يتيم عروة بن الزبير ثقة


وأما قول ابن شهاب الزهري

أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (ج4/ص263) أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم الجوهري، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل ابن إبراهيم عن عمه موسى بن عقبة (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل ابن محمد الشعراني، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: [يعني كلاهما إسماعيل بن إبراهيم ومحمد بن فليح] حدثنا موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: [أثر طويل وفي آخره] قال جابر: وفي رواية ابن فليح عن موسى قال الزهري قال جابر بن عبد الله: واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكاهل يومئذ حجمه مولى بياضة بالقون والشفرة، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عددا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً.

إسناده حسن صالح فهو من طريقين عن الزهري

أولاً سأترجم رجال الإسناد ثم أوضح أيهما هو من قول جابر وأيهما من قول الزهري لأن الذي ينظر للسياق يظنه كله من قول جابر وليس كذلك عندي

تراجم الإسناد الأول

- أبو الحسين بن الفضل هو محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان الأزرق ثقة
- أبو بكر بن عتاب هو محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب بن محمد بن أبي الورقاء العبدي قال الخطيب ثقة (انظر تاريخ بغداد ت بشار ج3/ص476)
- القاسم الجوهري هو أبو محمد القاسم بن عبد الله بن المغيرة البغدادي قال الدارقطني ثقة مأمون وقال الخطيب وكان ثقة (تاريخ بغداد للخطيب ت بشار ج14/ص432)
- ابن أبي أويس هو إسماعيل بن عبد الله الأصبحي
- إسماعيل بن إبراهيم هو أبو إسحاق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة المدني ابن أخي موسى بن عقبة

وأما الإسناد الثاني

فقد توبع الفضل بن محمد الشعراني تابعه اثنان

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ السفر الثالث ط الفاروق (ج2/ص16-17) وابن بشكوال في غوامض الأسماء (ج1/ص163) من طريق محمد بن الحسين الطوسي بمكة كلاهما (ابن أبي خيثمة والطوسي) عن إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا ابن فليح [وعند ابن بشكوال: محمد بن فليح]، عن موسى [زاد ابن بشكوال: ابن عقبة]، عن ابن شهاب، قال: لما فتح على رسول خيبر أهدت زينب بنت الحارث اليهودية، وهي بنت أخي مرحب شاة مصلية وسمتها، وأكثرت في الكتف والذراع، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقدمت إليه الشاة، فتناول الكتف فانتهس منها ثم ذكر حديثا طويلاً [ولفظ ابن بشكوال: في قصة طويلة أضربنا عن ذكرها لطولها].

أما أيهما قول الزهري وأيهما قول جابر فأقول

الجزء إلى "بالقرن والشفرة" أرسله الزهري عن جابر وقد أسنده عنه محمد بن إسحاق بن يسار عن رجل عن جابر كما سيأتي

وأما الجزء "وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عددا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً

فعندي هو من قول الزهري لأنه رواه محمد بن إسحاق ويونس بن يزيد وشعيب بن أبي حمزة - كما سيأتي تخريجها - ثلاثتهم عن الزهري - زاد ابن إسحاق في الإسناد رجلاً - عن جابر بن عبد الله الأنصاري وفيه إلى "بالقرن والشفرة" وليس فيه "وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عددا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً" فمن ها هنا علمت أنه من قول الزهري

وربما الزهري أخذ قوله بقي رسول الله بعد أن أكل الشاة المسمومة ثلاث سنين من عروة بن الزبير

أما رواية يونس بن يزيد الأيلي وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن جابر

أبو داود السجستاني في سننه ت الأرنؤوط (ج6/ص564) من طريق ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد الأيلي والدارمي في المسند ت حسين أسد (ج1/ص208) من طريق شعيب بن أبي حمزة كلاهما (يونس وشعيب) عن ابن شهاب الزهري، قال: كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول الله، فأخذ رسول الله الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول الله إلى اليهودية فدعاها، فقال لها: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك؟ قال: أخبرتني هذه في يدي للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟، قالت: قلت: إن كان نبياً فلن يضره، وإن لم يكن نبياً استرحنا منه، فعفا عنها رسول الله، ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة، واحتجم رسول الله على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار.

هكذا ليس فيه "وبقي رسول الله..حتى...فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً"

وأما رواية محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن رجل عن جابر

الطبري في تهذيب الآثار مسند ابن عباس (ج1/ص529) حدثني سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثني أبي، قال: قال ابن إسحاق، أخبرني الزهري، أن رجلاً من الموالي أخبره، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكله من الشاة - يعني الشاة التي سمتها اليهودية - حجمه أبو هند، مولى بني بياضة، حي من الأنصار، بالقرن والشفرة.

قال الزهري: وأخبرنيه أيضاً ابن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي.

هكذا أيضاً ليس فيه "وبقي رسول الله..إلخ" وأيضاً ليس فيه "ما زلت أجد من الأكلة...إلخ"

- ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي وقد صرح بالتحديث


ابن سعد في الطبقات الكبرى ط العلمية (ج2/ص155-156) أخبرنا محمد بن عمر، حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة، [ح] وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله. وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يونس بن يوسف عن سعيد بن المسيب، وحدثني عمر بن عقبة عن شعبة عن ابن عباس. زاد بعضهم على بعض. قالوا: [هكذا خلط الواقدي الأسانيد وفي آخره] وعاش رسول الله بعد ذلك ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي قبض فيه جعل يقول في مرضه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري وهو عرق في الظهر وتوفي رسول الله شهيداً.

إسناده تالف هالك وقد مر أنه من قول الزهري ومحمد بن عمر الواقدي هنا خلط الأسانيد لكن قوله بعد ثلاث هو للزهري كما تقدم

- محمد بن عمر هو الواقدي متهم بالكذب قال يحيى بن معين كان الواقدي يضع الحديث وضعاً (المشيخة للنسائي ص76) وقال إسحاق بن راهويه هو عندي ممن يضع الحديث وقال الشافعي كتب الواقدي كذب وقال أبو حاتم الرازي متروك الحديث (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج8/ص21) وقال ابن حجر ما كان الواقدي يستحي من الكذب في صدر الحديث أن مكة أحب الأرض إلى الله وفي آخره أن المدينة أحب الأرض إلى الله فسبحان من خذله حتى روى هذه الأشياء المتناقضة والعجب من الحاكم يدخل في الصحيح هذه الأباطيل مع معرفته بضعف رواتها (إتحاف المهرة لابن حجر ج4/ص185)


الخلاصة الثابت هو عن الزهري أنه قال هذا القول

فإن قلت وهل هناك أدلة أخرى على أن النبي لم يمت مباشرة وإنما بعدها؟

فأقول نعم

1- ثبت عن النبي أنه قال كان النبي يقول في مرضه الذي مات فيه: يا ‌عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع ‌أبهري من ذلك السم (انظر تخريجه في هذه المقالة)

2- ثبت عن ابن عباس قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ‌وجد ‌من ‌ذلك ‌شيئاً - يعني من أثر السم - ‌احتجم، قال: فسافر مرة فلما أحرم، وجد من ذلك شيئاً فاحتجم وفي لفظ قال ابن عباس احتجم وهو محرم من أكلة أكلها من شاة سمتها امرأة من أهل خيبر فلم يزل شاكياً (انظر تخريجه بالتفصيل في هذه المقالة)

فهذا يعني أن حادثة السم ذهبت ولم يحدث شيء للنبي فالسم يقتل مباشرة يعني يوم أو يومين أو أسبوع ويجب أن يكون ميتاً ولكن هذا لم يحدث

هذا والله أعلم

الموضوع التالي الموضوع السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق