قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: إذا جعلت المغرب على يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل الشمال.
قلت لأهل الشمال خطأ والصواب لأهل المشرق كما سيأتي
قلت وهذا الأثر اختلف فيه أهو من قول ابن عمر أم من قول عمر بن الخطاب وفيه بعض الأشياء وقد استدركت على بعض من خرجه وأنا سأذكر كل هذا بالتفصيل وأتعقب الأوهام والمشكل مستيعناً بالله جل ثناؤه
سأذكره باختصار ثم سأخرجه مطولاً
أما اختصاراً
- رواه القاسم بن عبد الرحمن الهذلي وعبد الله بن بريدة كلاهما مرسلاً عن ابن عمر.
ولا يصح سماع عبد الله بن بريدة من ابن عمر كما سيأتي في التخريج المطول
- ورواه أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي مرسلاً عن عمر بن الخطاب
- ورواه نافع واختلف عنه
فرواه عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عمر العمري ونافع بن أبي نعيم وموسى بن عقبة، أربعتهم عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب
وخالفهم أيوب بن كيسان ومالك بن أنس جبلان في الحفظ فروياه عن نافع عن عمر بن الخطاب. ليس فيه ابن عمر
وهذه لا أظنها مخالفة فالوجهين صحيحين عندي عن نافع، وإنما هذا من نافع فمرة أسنده ومرة أرسله
وهناك روايات ستراها في التخريج المطول
وأما التخريج مطولاً
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج5/ص93) حدثنا وكيع قال: نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن عمر قال: إذا جعلت المغرب عن يمينك، والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل المشرق [وفي بعض النسخ: لأهل الشمال].
إسناده منقطع
قلت "لأهل الشمال" خطأ والصواب "لأهل المشرق" لأن هذا الأثر نقله الشوكاني والمباركفوري من مصنف ابن أبي شيبة بلفظ المشرق وقال ابن تيمية رحمه الله وروى أبو حفص عن - يعني بإسناده إلى - ابن عمر قال إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل المشرق.
- المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله الهذلي الكوفي اختلط لكن المسعودي حدث بهذا قبل أن يختلط وذلك أن سماع وكيع بن الجراح منه قبل الاختلاط، قال أحمد بن حنبل سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديماً وإنما اختلط المسعودي ببغداد (العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله ج1/ص325)
- القاسم بن عبد الرحمن لم يسمع من ابن عمر فقد قيل لعلي بن المديني لقي - يعني القاسم - ابن عمر؟ فقال علي بن المديني كان يحدث عن ابن عمر بحديثين ولم يسمع من ابن عمر شيئاً كان يحدث عن ابن عمر ما بين المشرق والمغرب قبلة وحديث آخر (العلل لابن المديني ت الأعظمي ص63)
ورواه بعضهم هذا عن القاسم بن عبد الرحمن فجعله عن "عبد الله بن عمرو" فقال أبو حاتم الرازي روى هذا الحديث المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمر، وهذا أشبه (العلل لابن أبي حاتم ت الحميد ج2/ص229)
وقال الترمذي وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة (سنن الترمذي ت بشار ج1/ص374)
قلت سيأتي أنه عن ابن عمر عن عمر أي ليس من قول ابن عمر والترمذي لم يسق إسناده لنعلم مخرجه فلعله له إسناداً في هذا لم يصلنا
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج5/ص93) حدثنا وكيع قال: نا مالك بن مغول عن عبد اللَّه بن بريدة عن ابن عمر، قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
قال بعض أهل العلم سنده صحيح قلت في تصحيحه نظر، فلا أعرف سماعاً لعبد الله بن بريدة من ابن عمر قال ابن أبي حاتم الرازي لأبيه أبي حاتم الرازي: فابن بريدة أدرك ابن عمر؟ قال: أدركه ولم يبن سماعه منه (العلل لابن أبي حاتم ج5/ص368) وهناك حديث يرويه حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة حدثني عبد الله بن عمر. وهذا فيه التصريح بالتحديث أي السماع ولكنه خطأ، ليس هو ابن عمر إنما "ابن عمران" كما قال أبو حاتم الرازي وأبو معمر
وقد روي عن عمر بن الخطاب هذا أيضاً وفيه بعض الخلاف
[1] أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي عن عمر بن الخطاب
أخرجه أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم كما في مجموع مصنفاته (ص78) من طريق أبي الفضل العباس بن الوليد بن مزيد العذري البيروتي حدثنا عقبة بن علقمة المعافري البيروتي أخبرنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو قلابة الجرمي قال قال عمر بن الخطاب القبلة ما بين المشرق والمغرب.
مرسل أبو قلابة لم يدرك عمر بن الخطاب فقد قال أبو حاتم الرازي أبو قلابة لم يدرك زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب أقدم وفاتاً من زيد بن ثابت، وأيضاً لم يسمع أبو قلابة من ابن عمر قاله أبو زرعة الرازي (انظر المراسيل لابن أبي حاتم الرازي ص110)
قال البيهقي وروي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن النبي مرسلاً. قلت هذا غريب فهنا أبو قلابة يرويه عن عمر بن الخطاب والبيهقي يروي الآثار من طريق أبي العباس الأصم إلا أن يكون البيهقي يرويه من غير طريق "عقبة" عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة وفيه عن النبي فالله أعلم بهذا الوجه
[2] نافع عن ابن عمر عن عمر أو نافع عن عمر
1) عبيد الله بن عمر عن نافع واختلف عنه أيضاً
1- حماد بن مسعدة عن عبيد الله بن عمر
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة ط 4 (ج1/ص186) حدثنا أبو بشر بكر بن خلف، قال: ثنا حماد بن مسعدة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إلا عند البيت.
سقط "عمر" من السند فلا أدري أهو من النساخ أو من الفاكهي أو من أبي بشر بكر بن خلف فقد
أخرجه حرب الكرماني في مسائله ت السريع (ص537) حدثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا حماد بن مسعدة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله، إلا عند البيت.
وهذا هو الصواب لكن قال أحمد بن حنبل تفرد بلفظة "إلا عند البيت" قال مغلطاي وقال مهنأ: قلت لأحمد - يعني ابن حنبل -: إنك تقول هذا الحديث - يقصد حديث أبي هريرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما بين المشرق والمغرب قبلة ليس بالقوي قال: نعم، قال - يعني أحمد بن حنبل -: هو صحيح. ثنا حماد بن سعدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر يرفعه (1): ما بين المشرق والمغرب قبلة إلا عند البيت. فسألته عن حماد، فقال - يعني أحمد -: بصري راوي هذا الحديث عنه عن عبيد الله عنه، ولكن لم يقل عند البيت إلا هو (شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي ت عويضة ج5/ص1666)
- (1) ما أدري اش هذا "يرفعه" وأخشى أن يكون تصحيفاً من "وقفه" والصواب "وقفه" كما رواه حرب الكرماني عن أحمد بن حنبل وقد تابعه أبو بشر بكر بن خلف على وقفه
2- سفيان الثوري جبل إمام عن عبيد الله بن عمر
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج3/ص73) عن الثوري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
3- يحيى بن سعيد القطان
أخرجه البيهقي في الخلافيات ت النحال (ج2/ص229) وفي السنن الكبرى ط العلمية (ج2/ص15) أخبرنا الفقيه أبو بكر محمد بن بكر الطوسي، ثنا أبو بشر محمد بن أحمد الحاضري، ثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن زهير، ثنا عبد الله بن هاشم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
4- أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي ثقة ثبت عن عبيد الله بن عمر
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج5/ص92) أنا أبو أسامة قال: نا عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
5- زائدة بن قدامة الكوفي
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد ت بشار (ج10/ص430) أخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا عبد الحميد بن أحمد، قال: حدثنا الخضر بن داود، قال: حدثنا أبو بكر الأثرم، قال: حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا زائدة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
- عبد الله بن محمد هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى التجيبي القرطبي يعرف بابن الزيات قال فيه ابن الفرضي كان كثير الحديث مسنداً صحيحاً للسماع صدوقاً في روايته إلا أن ضبطه لم يكن جيداً وكان ضعيف الخط ربما أخل بالهجاء (تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ج1/ص288)
- عبد الحميد بن أحمد هو أبو إسحاق عبد الحميد بن أحمد بن عيسى بن الحسن الوراق ثقة وثقه ابن عبد البر (انظر التمهيد لابن عبد البر ت بشار ج11/ص38) وقال ابن الطحان الشيخ الصالح سمعت منه توفي في شعبان سنة 363 هجري (تاريخ علماء أهل مصر لابن الطحان ص98-99)
- الخضر بن داود ثقة وثقه ابن عبد البر (انظر التمهيد لابن عبد البر ت بشار ج11/ص38)
- أبو بكر الأثرم هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الوراق
6- شريك القاضي عن عبيد الله بن عمر
أخرجه علي بن الجعد في مسنده (ص349) أنا شريك، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
قلت لا أدري هل سقط "عمر" من المحقق أم من النساخ فقد قال الدارقطني رواه شريك وفيه "عمر" (علل الدارقطني ج2/ص31-32)
وفي المكتبة الشاملة وهم من نساخ الشاملة فعندما نقلوا الإسناد من المطبوع إلى الشاملة جعلوه "ابن عمر عن عمر" فزادوا "عمر" وليس هذا في المطبوع
7- حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر وجعله عن ابن عمر عن النبي وهو خطأ
أخرجه أبو المطرف القنازعي في تفسير الموطأ (ج1/ص228-229) من طريق أبي عبد الله الوراق والدارقطني في العلل (ج2/ص31-32) من طريق حماد بن الحسن كلاهما عن حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جعلت المغرب عن يمييك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة.
خطأ رفعه إلى النبي إنما هو من قول عمر بن الخطاب موقوفاً عليه
والخلاصة
الصواب عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قوله
2) عبد الله بن عمر العمري ضعيف عن نافع وهو أخو عبيد الله بن عمر
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج5/ص94) حدثنا وكيع قال: نا العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر، قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
3) نافع بن أبي نعيم عن نافع
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ط العلمية (ج2/ص15) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد، ثنا خالد بن مخلد، ثنا نافع بن أبي نعيم، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت.
4) موسى بن عقبة عن نافع
رواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب. ذكر ذلك الدارقطني في علله (ج2/ص31-32)
وقد خولف عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عمر العمري ونافع بن أبي نعيم وموسى بن عقبة خالفهما أيوب ومالك فروياه عن نافع عن عمر ليس فيه ابن عمر
5) أيوب بن كيسان السختياني عن نافع واختلف عنه
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج3/ص73) عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة.
كذا "ابن عمر" فلا أدري هو حقاً "ابن عمر" ويكون الخطأ من معمر بن راشد أو ممن دونه أم أنه تصحيف من النساخ أو من الراوي عن عبد الرزاق ويكون الصواب "عمر" وذلك أن الدارقطني في العلل قال ورواه أيوب السختياني، ومالك، عن نافع، عن عمر، ولم يذكرا فيه ابن عمر.
قلت وكذلك رواه ابن علية عن أيوب
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج5/ص92) حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع، قال: قال عمر: ما بين المشرق والمغرب قبلة ما استقبلت القبلة.
ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم ثقة ثبت
وقد توبع أيوب على الوجه الذي هو عن عمر بن الخطاب تابعه مالك بن أنس
6) مالك بن أنس عن نافع عن عمر
أخرجاه أبو مصعب الزهري ويحيى الليثي في موطأيهما كلاهما عن مالك، عن نافع، أن عمر بن الخطاب قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة، إذا توجهت قبل البيت.
قلت وكلاهما عندي صحيح أي نافع عن ابن عمر عن عمر ومرة عن نافع عن عمر وإنما هو من فعل نافع أي مرة يرسله عن عمر فلا يذكر "ابن عمر" ومرة يسنده بذكر "ابن عمر"
قال الدارقطني الصحيح من ذلك قول عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر (علل الدارقطني ج2/ص31-32)
وسئل أبو زرعة الرازي عن حديث رواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عبد الرحمن بن المجبر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي أنه قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة؟ قال أبو زرعة: هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر موقوف (العلل لابن أبي حاتم ت الحميد ج2/ص473)
وأقول لا يمنع أن يكون من قول ابن عمر أيضاً فهو ينقل عن أبيه عمر بن الخطاب ثم أخذ به وقال هو أيضاً بهذا القول فيكون رووه على الوجهين
هذا والله أعلم