تفسير قوله {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} بالأسانيد الصحيحة

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

في هذا روايتين عن ابن عباس الأولى قصيرة والثانية طويلة

أما الرواية الأولى فقد أخرجها البخاري في صحيحه والنسائي في السنن الكبرى (ج10/ص71) والطحاوي في مشكل الآثار (ج8/ص448) والطبري في التفسير ت شاكر من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة، وغيره، قالا: حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود، قال: قطع [ولفظ ابن لهيعة: ضُرِبَ] على أهل المدينة بعث [زاد النسائي والطحاوي والطبري: إلى اليمن]، فاكتُتِبْتُ فيه [وعند الطحاوي: فكنت فيهم]، فلقيت عكرمة، مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس: أن ناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم، فيقتله أو يضرب فيقتل فأنزل الله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] الآية.

قول البخاري (حيوة وغيره) فـ "غيره" هو ابن لهيعة أخرجه ابن أبي عاصم في الديات (ص48) حدثنا ابن كاسب، حدثنا عبد الله بن يزيد - هو المقرئ -، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الأسدي ولفظه ضرب على أهل المدينة الحديث

قوله (يكثرون سواد المشركين) يعني هؤلاء المسلمين الذين خرجوا مع المشركين قد زادوا من عدد الكفار وبالتالي القوة

قوله (قطع وفي لفظ ضرب على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه) يعني فرض على أهل المدينة تجنيد مجموعة للقتال يعني جيش قال الكرماني اكتتبت بلفظ المجهول وبالمعروف يقال اكتتبت أي كتبت نفسي في ديوان السلطان (الكواكب الدراري للكرماني ج24/ص162) وقال ابن الجوزي كان ابن الزبير قد استقصى على يزيد، فكان يزيد يأمر ولاة المدينة وغيرها بإقامة البعوث بقتاله (كشف المشكل لابن الجوزي ج2/ص423)


وأما الرواية الثانية

فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يَسْتَخْفُونَ بالإسلام [وعند البزار: مُسْتَخْفِينَ بالإسلام، وعند ابن المنذر: يخفون الإسلام]، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا! فاستغفروا لهم، فنزلت: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم} الآية، قال: فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية، لا عذر لهم قال: فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة، فنزلت فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [سورة العنكبوت: 10]، إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك، فحزنوا وأيسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، [سورة النحل: 110] ، فكتبوا إليهم بذلك: إن الله قد جعل لكم مخرجًا، فخرجوا فأدركهم المشركون، فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقُتِل من قتل.

حكم الأثر: لا يصح لإرساله

أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج9/ص102) و(ج20/ص13) وابن أبي حاتم في تفسيره ط مصطفى الباز (ج3/ص1046) والطحاوي في مشكل الآثار (ج8/ص450) والمقدسي في الأحاديث المختارة (ج12/ص197) من طريق أبي أحمد الزبيري وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (ج3/ص46) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين وابن المنذر في التفسير كما عند ابن الملقن في التوضيح (ج22/ص261) عن محمد بن شريك [زاد ابن أبي حاتم والطحاوي: المكي]، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال فذكره.

ملحوظة: البعض قال "يستخفون" بتشديد الفاء المضمومة وهو خطأ وهكذا تغير المعنى وإنما الصواب دون الشدة ومعناه يبطنون إسلامهم أي أنهم كانوا يخفون إسلامهم خوفاً من المشركين

وقد توبع أبو أحمد الزبيري تابعه أبو نعيم الفضل بن دكين أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ج3/ص46) حدثنا عبدة بن عبد الله - هو الصفار -، ثنا أبو نعيم، ثنا محمد بن شريك به.


وقد توبع محمد بن شريك تابعه الحسين بن واقد

قال ابن أبي حاتم الرازي في العلل (ج4/ص683) وسألت أبي عن حديث رواه الحسين بن واقد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ قال: خرج ناس من مكة يريدون المدينة، فأدركهم المشركون، ففتنوهم، فأعطوهم الفتنة؛ فنزلت فيهم: {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله}، وذكر الحديث ورواه ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: خرج ناس ليس فيه ابن عباس؟ قال - أبو حاتم الرازي -: ابن عيينة أحفظ وأعلم بعمرو منه. انتهى ورواية ابن عيينة أخرجها سعدان بن نصر في جزءه (ص21) ومن طريقه البيهقي في (ج9/ص24) وعبد الرزاق في تفسيره (ج3/ص3) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عكرمة ليس فيه ابن عباس

قلت كلام أبي حاتم الرازي صحيح لكن الحسين بن واقد لم يتفرد بوصله بل تابعه على هذا الثقة محمد بن شريك المكي كما تقدم فلعل الإمام أبي حاتم رحمه الله لم يكن له علم بهذه المتابعة أو لم يتذكرها لأنه لو كان يعلم بها أو يتذكرها لقال ووصله محمد بن شريك أيضاً ولكن لا أدري كيف ابنه غفل عن هذه المتابعة فهو الذي رواها في تفسيره وربما لم يكن قد وصلته هذه المتابعة عندما سأل أباه ثم وصلته فأدخلها في التفسير والعلم عند الله عز وجل

ورواية ابن عيينة هي الصحيحة لأنه ثبت في عمرو بن دينار ورواية محمد بن شريك وحسين بن واقد خاطئة والعلم عند الله

ولمعرفة حكم العيش في بلاد الكفار (انظر هذه المقالة)

هذا والله تعالى أعلم

الموضوع التالي الموضوع السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق