قلت أخرج هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد.
قلت اختلف العلماء في ثبوت لفظة "واجتنبوا السواد" ودليلهم في ذلك ما ورد في مسند الإمام أحمد قال زهير: قلت لأبي الزبير: أقال: جنبوه السواد؟ قال: لا.
وقال بعضهم ليست هي على شرط مسلم حيث أن مسلم أورد الرواية الأصل ثم ألحقها بهذه الرواية ليبين أنها معلولة قلت كلامهم فيه وجهة نظر واضرب لكم مثالاً على ذلك
قال مسلم في صحيحه حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قالا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع.
وهذا مرسل وبالتالي ضعيف ثم قال مسلم
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص، حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
وهذا متصل لوجود أبي هريرة في السند لكنه معلول والمرسل هو الصحيح أي بدون وجود أبي هريرة في السند فالإمام مسلم أورد الرواية الأصح أي المرسلة ثم أورد المتصلة ليبين لنا أنها معلولة لا تصح وأن الصواب المرسل
لكن لو فرضنا أن لفظة "واجتنبوا السواد" صحيحة فهل هي على الوجوب؟
لو قلنا نعم فيجب علينا أن نحمل قوله "غيروا هذا بشيء" يعني الشيب على الوجوب وبالتالي كل مسلم له شعر أبيض أو لحية بيضاء ولم يغيره بالحناء والكتم فقد دخل في المعصية ولكن تغير الشيب ليس على الوجوب وبالتالي فقوله "واجتنبوا السواد" ليس على الوجوب أيضًا بل وحتى ليس على الكراهة لأننا سنحمل الشيب على الكراهة أيضًا
وأخيرًا هل يوجد شيء يفصل النزاع؟
في رأي نعم وهو أقوال الصحابة في جواز الصبغ بالسواد فقد صح عن أم المؤمنين عائشة والصحابي عقبة بن عارم الجهني والحسين والحسين حفيدا رسول الله صلى الله عليه وسلم (انظر تخريج أقوالهم في هذه المقالة بالتفصيل)
ولم يصح عن صحابي النهي أو الكراهة إلا ما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت كمال (ج5/ص184) حدثنا ملازم بن عمرو، عن موسى بن نجدة، عن جده زيد بن عبد الرحمن، قال: سألت أبا هريرة: ما ترى في الخضاب بالوسمة؟ - يعني بالسواد - فقال: لا يجد المختضب بها ريح الجنة. وهذا إسناد ضعيف جدًا موسى بن نجده وجده زيد بن عبد الرحمن كلاهما مجهولان
هذا والله تعالى أعلم