قلتُ: هذا الأثر بلفظ الملح ذكره عبد الملك بن حبيب القرطبي في العلاج بالأعشاب (ص107) قائلاً وعن محمد بن المنكدر أن امرأة قالت لعائشة: يا أم المؤمنين، هل علي من جناح أقيد جملي؟ فقالت: أخرجوا عني الساحرة ثم أمرت بمكانها فصُب عليه ماء وملح.
وهذا إسناد ضعيف فيه علتان
العلة الأولى: عبد الملك بن حبيب القرطبي نفسه ضعيف الحديث وهذا ظاهر من كلام أهل العلم
العلة الثانية: عبد الملك لم يدرك محمد بن المنكدر فقد توفي ابن المنكدر ما بين 121-130 هجري وولد عبد الملك سنة 170 هجري وما فوق أي أن عبد الملك ولد بعد وفاة محمد بن المنكدر بأربعين سنة (انظر تاريخ الإسلام للذهبي ت بشار ج3/ص521 وج5/ص874)
وزعم البعض إنه أثرٌ صحيح ليستشهد به على علاج السحر بالملح! وصح عن الإمام يحيى بن سعيد القطان أنه قال لا تنظروا إلى الحديث ولكن انظروا إلى الإسناد فإن صح الإسناد وإلا فلا تغتر بالحديث إذا لم يصح الإسناد (انظر تخريجه هنا)
وقد روي بالماء والسِّدْرِ وليس الملح ولا يصح أيضًا
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (ج7/ص1288) أنا محمد بن عثمان، قال: نا سعيد بن محمد الحناط، قال: نا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: سمعت سفيان يذكر عن سليمان بن أمية شيخ من ثقيف من ولد عروة بن مسعود دخل على عائشة سمع أمه وجدته، سمع امرأة تسأل عائشة: هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَزُمَّ جَمَلِي؟ قَالَتْ: لَا، قَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهَا تَعْنِي زَوْجَهَا، قَالَتْ: رُدُّوهَا عَلَيَّ، فَقَالَتْ: مُلْحَةٌ مُلْحَةٌ فِي النَّارِ، اغْسِلُوا عَلَى أَثَرِهَا بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ.
هكذا مُلْحَةٌ بالحاء المهملة وروي بالجيم المعجمة أخرجه أبو الجهم العلاء بن موسى في جزءه (ص60) حدثنا سفيان بن عيينة، ثنا سليمان بن أمية، قال: دخلت على عائشة مع ابني، وهو يومئذ صبي، فقالت لها امرأة: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أُقَيِّدَ جَمَلِي، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَتْ: لَا، فَلَمَّا وَلَّتْ، قَالُوا لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهَا تَعْنِي زَوْجَهَا، فَقَالَتْ: رُدُّوهَا عَلَيَّ مُلَجَّمَةً فِي النَّارِ، مُلَجَّمَةً فِي النَّارِ مَرَّتَيْنِ اغْسِلْنَ عَنِّي أَثَرَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. وعلى أية حال فمدار الحديث على سليمان بن أمية روى عنه ابن جريج وابن عيينة ولم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا فهو مجهول الحال وعليه فلا يصح أيضاً بالماء والسدر
قلت قولها ملحة من النار ليس معناه الملح أي ملح الطعام! وقد قال أبو موسى المديني الحافظ في كتابه المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ج3/ص224-225) وابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث والأثر (ج4/ص354) وابن منظور في لسان العرب (ج2/ص502) في شرح هذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها: المُلْحَةُ: الكَلِمَةُ المَلِيحَة. وَأَملحَ: جاءَ بِكلَامٍ مَلِيحٍ وقيل: المُلْحَةُ: الكَلِمَةُ القَبيحَةُ. وقولها اغْسِلُوا عَنِّى أَثَرَهَا تَعْنى الكَلِمَةَ؛ أي قد أَذِنْتُ لها فَرُدُّوهَا؛ لِأُعَلِّمَها أنَّه لا يجوز.
وروي عنها هذه القصة وليس فيه بالماء والسدر
أخرجها عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل (ج9/ص83) عن معمر، عن بعضهم، قال: دخلت امرأة على عائشة فقالت: هل علي أن أقيد جملي؟ قالت: قيدي جملك، قالت: أخشى على زوجي، قالت عائشة: أخرجوا عني الساحرة، فأخرجوها. ووصله البيهقي في السنن الكبرى (ج8/ص237) أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا أحمد بن منصور، ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن رجل، عن ابن المسيب، قال: دخلت امرأة على عائشة رضي الله عنها فقالت: هل علي حرج أن أقيد جملي؟ قالت: قيدي جملك، قالت: فأحبس على زوجي؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أخرجوا عني الساحرة فأخرجوها.
إسنادها ضعيف جدًا الرجل مجهول العين ولا يتقوى هذا بالذي قبله لأنهما مجهولان!
وقال أبو عبيد الهروي في غريب الحديث ت محمد عبد المعيد (ج4/ص329) في حديث عائشة أن امرأة قالت لها: أأقيد جملي فقالت: نعم فقالت: أأقيد جملي فلما علمت ما تريد قالت: وجهي من وجهك حرام قال: حدثناه يزيد عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قال ثم شك أبو عبيد بعد في الإسناد. قولها: أقيد جملي تعني زوجها وتقييده أن تأخذه عن النساء وإنما كرهت هذا لأنه سحر وهو شبيه بقول عبد الله في التولة إنها شرك إلا أن المؤخذ من البغض والتولة من الحب وكلاهما سحر قال الله عز وجل {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه}. انتهى
قلت شك أبو عبيد في إسناده في محله فلم يروه أحد بهذا السند
هذا والله تعالى أعلم