قال الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنه سيأتي عليكم زمان لو وجد فيه أحدكم الموت يباع بثمن لاشتراه، وإنه سيأتي عليكم زمان يُغْبَطُ فيه الرجل بخفة الحال، كما يغبط فيه اليوم بكثرة المال والولد.
قوله (يغبط فيه الرجل) يعني يُحسد فيه الرجل وقوله (بخفة حاله) يعني قلة المال والأولاد
حكم الحديث: قوله (سيأتي عليكم زمان لو وجد فيه أحدكم الموت يباع بثمن لاشتراه) ضعيف وأما قوله (وإنه سيأتي عليكم زمان يُغْبَطُ فيه الرجل بخفة الحال، كما يغبط فيه اليوم بكثرة المال والولد) فهو حسن لغيره
أخرجه المعافى بن عمران الموصلي في الزهد (ص185) ومن طريقه الداني في الفتن (ج2/ص458) عن شريك، عن عبد الله بن يزيد - هو النخعي -، عن كميل بن زياد النخعي، قال: سمعت ابن مسعود، يقول فذكره.
إسناده ضعيف من أجل شريك
وأقرب حديث صحيح لقول ابن مسعود (سيأتي عليكم زمان لو وجد فيه أحدكم الموت يباع بثمن لاشتراه) هو ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه.
وأما قول ابن مسعود (وإنه سيأتي عليكم زمان يغبط فيه الرجل بخفة حاله...) فله شواهد
الشاهد الأول: أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ت عوامة (ج10/ص300) وإبراهيم بن إسحاق الحربي (ج3/ص1186) والمعافى بن عمران الموصلي في الزهد (ص186) من طريق مالك بن مغول وسفيان هو الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: قال عبد الله - يعني ابن مسعود -: ليأتين على الناس زمان يغبط الرجل فيه بقلة حاذه [وعند الحربي: بخفة حاذه، وعند المعافى والحاكم: بخفة حاله] كما يغبط بكثرة ماله وولده، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، فما خير مال الرجل يومئذ؟ قال: فرس صالح وسلاح صالح يزولان مع العبد حيث زال.
قلت "حاذه" بالذال المعجمة و"حاله" كلاهما واحد وهو المال والأولاد
وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (ج4/ص532) أخبرنا أبو عبد الله الصفار، ثنا محمد بن إبراهيم بن أرومة، ثنا الحسن بن الوليد، ثنا سفيان - هو الثوري -، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود رضي الله عنه. السند فيه سقط ونقل سند الحاكم ابن حجر في إتحاف المهرة (ج10/ص517) وفيه "الحسين بن حفص، ثنا سفيان - هو الثوري -، عن الأعمش، ثنا سلمة بن كهيل" به.
وقد رواه أبو معاوية عن الأعمش أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (ج1/ص163) حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي - هو عبد الرحمن بن محمد بن سلم الأصبهاني -، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن ابن الأبرق الغفاري، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: ليأتين عليكم زمان يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ كما يغبط اليوم فيكم أبو عشرة. ابن الأبرق الغفاري تصحيف أو خطأ إنما هو أبو الزعراء
والخلاصة هذا إسناد ضعيف مداره على أبي الزعراء هو عبد الله بن هانئ الكوفي الكندي له مناكير عن ابن مسعود
الشاهد الثاني: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج10/ص11) من طريق أبي زكريا يحيى بن أيوب العلاف والبزار في المسند (ج4/ص289) من طريق عمر بن الخطاب كلاهما عن سعيد بن أبي مريم، أنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتين على الناس زمان تغبطون فيه الرجل بخفة الحاذ كما تغبطونه اليوم بكثرة المال والولد، حتى يمر أحدكم بقبر أخيه فيتمعك عليه كما تتمعك الدابة في مراعها، ويقول: يا ليتني مكانه، ما به شوق إلي الله، ولا عمل صالحا قدمه، إلا مما ينزل به من البلاء.
إسناده منكر جداً علي بن يزيد هو الألهاني الشامي ليس بشيء
الشاهد الثالث: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج9/ص108) حدثنا محمد بن حبان [صوابه حيان بالياء المنقوطة باثنتين من تحتها] المازني، ثنا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا الأحوص، وأبا الكندي، عن عبد الله قال: إنكم في زمان الصلاة فيه طويلة والخطبة فيه قصيرة، وعلماؤه كثير وخطباؤه قليل، وسيأتي عليكم زمان الصلاة فيه قصيرة والخطبة فيه طويلة، خطباؤه كثير وعلماؤه قليل يأخرون الصلاة صلاة العشاء إلى شرق الموتى فمن أدرك ذلك منكم فليصل الصلاة لوقتها، وليجعلها معهم تطوعا، إنكم في زمان يغبط الرجل فيه على كثرة ماله وكثرة عياله، وسيأتي عليكم زمان يغبط الرجل فيه على قلة عياله وخفة حاده، ما أدع بعدي في أهلي أحب إلي موتا منهم، ولا أهل بيت من الجعلان، وإني لأحبهم كما يحبون أهليكم.
إسناده ظاهره الحسن
الشاهد الرابع: أخرجه ابن أبي الدنيا في المتمنين (ص68) والمعافى بن عمران الموصلي (ص213) كلاهما من طريق سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: كنا مع عبد الله بن الصامت، في مسجد الجامع فقال: ليتني إذا أتيت أهلي، فأصابوا من عشائهم، وشربوا من شرابهم، أصبحوا موتى، فقال قائل من القوم: ولم تمنى هذا لأهلك؟ ألست غنيا من المال، قال: بلى ولكني أخاف أن يدركني ما قال لي أبو ذر، قال: يوشك ابن أخي إن أخر أجلك يكون الخفيف الحاذ، أغبط من أبي عشرة [وعند المعافى: من أبي العشيرة]، كلهم رب بيت، ويوشك ابن أخي إن أخر أجلك أن تمر الجنازة، فيرفع الرجل رأسه، فيقول: ليتني كنت مكانها، فلا يدري على ما هي عليه في الجنة أم في النار قلت: يا أبا ذر ما هذا إلا من شر [وعند المعافى: شيء بدل شر] عظيم يصيب الناس؟ قال: أجل يا ابن أخي.
وقد توبع سليمان بن المغيرة تابعه يونس بن عبيد أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (ج4/ص494) والمعافى بن عمران الموصلي (ص213) كلاهما من طريق سفيان هو الثوري عن يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: وددت أن أهلي حين تعشوا عشاءهم، واغتبقوا غبوقهم أصبحوا موتى على فرشهم قيل: يا أبا فلان، ألست على غنى؟ قال: بلى، ولكني سمعت أبا ذر، يقول: يوشك يا ابن أخي إن عشت إلي قريب أن ترى الرجل يغبط بخفة الحال كما يغبط اليوم أبو العشرة الرجال، ويوشك إن عشت إلي قريب أن ترى الرجل الذي لا يعرفه السلطان، ولا يدنيه، ولا يكرمه يغبط كما يغبط اليوم الذي يعرفه السلطان ويدنيه ويكرمه، ويوشك يا ابن أخي إن عشت إلي قريب أن يمر بالجنازة في السوق فيرفع الرجل رأسه فيقول: يا ليتني على أعوادها قال: قلت: تدري ما بهم؟ قال: على ما كان، قلت: إن ذلك بين يدي أمر عظيم، قال: أجل عظيم عظيم عظيم.
وهذا إسناد صحيح لا أعلم له علة فيما بحثت والله أعلم وهو في حكم المرفوع لا مجال للرأي أو الاجتهاد فيه
وقد توبع حميد بن هلال أخرجه أبو علي بن شاذان في الثامن من أجزاءه (ص23) نا هيذام بن قتيبة، نا عبد الله بن صالح العجلي، نا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي نضرة - هو المنذر بن مالك -، عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذر: يوشك أن يأتي زمان على الناس يغبط فيه خفيف الحاد [صوابه بالذال المعجمة] كما يغبط اليوم أبو عسرة [صوابه عشرة]، ويغبط الرجل باجتنابه الشيطان وخفاته عنه كما يغبط الرجل لمعرفته إياه وكرامته عليه، حتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل ثم يهز رأسه فيقول: يا ليتني مكان هذا قال: قلت يا أبا ذر إن ذلك لمن أمر عظيم، قال: أجل يا ابن أخي لمن أمر عظيم. صحيح
وأخشى أن "أبي نضرة" تصحيف ويكون هون "أبي نصر" يعني حميد بن هلال وعلى كل حال كلاهما ثقة
هذا والله أعلم