قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن النصارى أهينوهم ولا تظلموهم، فإنهم سَبُّوا الله عز وجل مسبَّةً ما سبّهُ إياها أحدٌ مِن البشر.
حكم الأثر: ضعيف
أما قوله (أهينوهم ولا تظلموهم) فلفظه في الكتب هو ما أخرجه أبو بكر بن المقرئ في معجمه ط الرشد (ص309) حدثنا عبد الله، ثنا بحر بن نصر، ثنا بشر بن بكر قال: حدثني أبو بكر بن أبي مريم قال: حدثني حبيب بن عبيدة [صوابه: عبيد بدون التاء المربوطة]، عن ضمرة ابن حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل الذمة: سموهم، ولا تكنوهم، وأذلوهم ولا تظلموهم، وإذا جمعتكم وإياهم طريق، فالجؤهم إلى أضيقها.
هذا الإسناد فيه خطأ ليس هو عن الرسول إنما هو عن عمر فقد رواه من طريق ابن المقرئ أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان (ج2/ص30-31) حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي - هو ابن المقرئ -، ثنا عبد الله بن عبد السلام، ثنا بحر بن نصر، ثنا بشر بن بكر حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثني حبيب بن عبيد، عن ضمرة بن حبيب، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه فذكره.
ومن طريقين عن ابن المقرئ أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج2/ص183) أنا أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن أبي منصور الأصبهاني شفاها أنا منصور بن الحسين بن علي بن القاسم بن داود الكاتب وأبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي قالا أنا أبو بكر بن المقرئ نا أبو محمد عبد الله بن عبد السلام نا بحر بن نصر نا بشر بن بكير حدثني أبو بكر بن أبي مريم حدثني حبيب بن عبيد عن ضمرة بن حبيب قال قال عمر بن الخطاب فذكره.
وأيضًا هذا الإسناد فيه خطأ آخر وهو رواية حبيب بن عبيد عن ضمرة بن حبيب لأن أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف يروي عن حبيب وضمرة كل واحد منفصل عن الآخر يعني هكذا لتتضح الصورة
أبو بكري بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب
وأبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد
فجعل أبو بكر بن أبي مريم الإسناد حبيب بن عبيد عن ضمرة بن حبيب وهذا غلط فلا أعلم إسنادًا فيه حبيب بن عبيد عن ضمرة بن حبيب والآفة من أبي بكر بن أبي مريم نفسه فهو ضعيف كان قد اختلط وأيضًا فيه علة أخرى وهي الإرسال
وأما قوله (فإنهم سَبُّوا الله عز وجل مسبَّةً ما سبّهُ إياها أحدٌ مِن البشر) ليس من قول عمر إنما من قول معاذ بن جبل أخرجه إبراهيم الحربي في غريب الحديث (ج3/ص1074) حدثنا داود بن رشيد، حدثنا الوليد، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن مالك، عن أبيه، عن معاذ، قال: إن الله تعالى ضرب على رقابهم بَذُلٍّ مُغْرِمٍ، أنهم سبوا الله سبًا لم يسبه أحد. الوليد هو ابن مسلم وقال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ج2/ص556) في حديث معاذٍ رضي الله عنه: إِنَّ الله عزَّ وجلّ ضَربَهم بِذُلٍّ مُغرَمٍ: أي مُلِحٍّ لَازِمٍ دَائمٍ، والغُرْم: المَغْرَم، وأَصلُ الغَرامِ: الُّلزومُ والدَّاومُ.
وتابع داود بن رشيد أحمد ابن صالح العجلي أخرجه السرقسطي في كتابه الدلائل في غريب الحديث (ج2/ص807) حدثنا إبراهيم، قال: نا أبو الحسن، قال: نا عبد الله بن يوسف الدمشقي، قال: نا الوليد بن مسلم، قال: أخبرني صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن مالك بن يخامر السكسكي، عن أبيه، عن معاذ بن جبل أنه كان يقول: لَا تَأْوُوا لَهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ بِذُلٍ مُفْرَمٍ، وَإِنَّهُمْ سَبُّوا اللَّهَ سَبًّا لَمْ يَسُبَّهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، دَعَوُا اللَّهَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ. قال (يعني الوليد بن مسلم): فسألت صفوان، مَا مُفْرَمٌ: قَالَ: ذُلٌّ دَاخِلٌ
- إبراهيم هو أبو إسحاق إبراهيم بن نصر الجهني السرقسطي يعرف بابن أبرول قال ابن الفرضي وكان عالمًا بالحديث، بصيرًا بعلله وكان ثقة (تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي ج1/ص20)
- أبو الحسن هو أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي ثقة
وتابع الوليد بن مسلم أيضًا بقية أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (ج2/ص127) حدثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا حيوة بن شريح، والوليد بن عتبة، قالا: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن مالك بن يخامر، عن أبيه، عن معاذ بن جبل، أنه كان يقول: لا تَلْوُوا عليكم - يعني أهل الذمة - فإن الله ضرب على رقابهم بِذُلٍّ مُغْرَمٍ وإنهم سبوا الله سبًا لم يسبه أحد من خلقه وعز الله ثالث ثلاثة.
وتابع الوليد بن مسلم إسماعيل بن عياش أخرجه سعيد بن منصور في السنن (ج2/ص366) ومن طريقه الخطابي في غريب الحديث (ج2/ص311) نا ابن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن مالك بن يخامر، عن أبيه، عن معاذ بن جبل، قال: لَا تَأْوُوا الْيَهُودَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ بِذُلٍّ مُقَدَّمٍ [ولفظ الخطابي: لا تَأْوُوا لَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَرَبَهُمْ بِذُلٍّ مُفْدَمٍ يَعْنِي النَّصَارَى]، وَأَنَّهُمْ سَبُّوا اللَّهَ سَبًّا لَمْ يَسُبَّهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، دَعَوُا اللَّهَ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ.
ذكر اليهود عند سعيد بن منصور أظنه خطأ لأن النصارى هم الذين قالوا ثالث ثلاثة وأيضًا "مقدم" بالقاف المثناة تصحيفٌ إنما هو بالفاء كما عند الخطابي وقال الخطابي: قوله: لا تَأْوُوا معناه لا ترقوا لهم ولا ترحموهم يقال أويت لفلان آوى له أية أي رحمته، وقوله: بِذُلٍّ مُفْدَمٍ أي شديد مشبع. انتهى وقال أبو عبيد أحمد الهروي في الغريبين (ج5/ص1423) باب الفاء مع الدال وفي الحديث (إن الله تعالى ضرب النصارى بذل مفدم) أي: شديد مشبع. انتهى
والحاصل أن مدار هذه الطرق على عبد الرحمن بن مالك بن يخامر السكسكي تفرد بالرواية عنه صفوان وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي شامي ثقة (الثقات للعجلي ط الدار ج2/ص86) ومعناه صحيح فقد أخرج البخاري في صحيحه (ج6/ص180) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك ... وأما شتمه إياي أن يقول: اتخذ الله ولدًا، وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أولد.
هذا والله تعالى أعلم