السلام عليكم
ما التفسير الصحيح لقوله تعالى {وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} المائدة/5، وأيضًا قوله تعالى {وَلا مُتَّخَذِاتِ أَخْدَانٍ} النساء/25، وهل معناها فقط الصداقة بين الرجل والمرأة كما هو الصداقة في عصرنا أم لها معنى آخر؟
هنا يحتاج توضيح لأن الكثير يخطأ في تفسير الآيتين، فالآية الأولى تخاطب الرجل وهو الذي يتخذ صديقة يزني بها في السر وتكون له وحده!، وفي الآية الثانية فالخطاب للمرأة التي تتخذ صديقًا فيزني بها أي ليس معناها الصداقة فقط كما نعرفه وقد استشكل على البعض فقال تفسيرك هذا باطل قلت هو ليس باطل لكن أنت لم ترجع لكلام العلماء (انظر مناقشتي لكلامه في هذه المقالة)
قلت ويأتي الخدن بمعنى الصديق لكن هنا ليس كذلك
طيب نكمل لكن لا يعني أن تفهم كلامي بشكل خاطئ وتقول عزالدين استباح الصداقة وسأوضح هذا لاحقًا بناء على ما يقصد الشخص بالصداقة وبالعودة إلى الآيتين ففيهما الصداقة التي تصحبها الزنا وسأسرد بعض أقوال الأئمة ثم أقوال التابعين بالأسانيد الصحيحة أما أقوال المفسرين
1- قال إمام المفسرين الطبري في تفسيره ت شاكر (ج9/ص590) "ولا متخذي أخدان"، يقول: ولا منفردين ببغيّة واحدة قد خادنها وخادنته واتخذها لنفسه صديقة يفجر بها. وقال الطبري (ج8/ص193) "ولا متخذات أخدان" يقول: ولا متخذات أصدقاء على السفاح. انتهى والسفاح هو الزنا. ثم قال الطبري أيضًا وذكر أن ذلك قيل كذلك لأن الزواني كنّ في الجاهلية في العرب المعلنات بالزنا، و"المتخذات الأخدان": اللواتي قد حبسن أنفسَهن على الخليل والصديق، للفجور بها سرًّا دون الإعلان بذلك. انتهى
2- قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن ط العلمية (ج2/ص211) وَالْخِدْنُ هُوَ الصَّدِيقُ لِلْمَرْأَةِ يَزْنِي بِهَا سِرًّا
وروي هذا المعنى عن التابعي عامر الشعبي
أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج8/ص194) حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر قال، سمعت داود يحدّث، عن عامر قال: الزنا زناءان: تزني بالخدن ولا تزني بغيره، وتكون المرأة سَوْمًا، ثم قرأ: "محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان". إسناده صحيح
معتمر هو أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وداود هو داود بن أبي هند وتابع معتمرًا بشر أخرجه ابن المنذر في التفسير (ج2/ص651) حدثنا أبو سعد، قال: حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر هو ابن المفضل، قال: حدثنا داود، عن عامر، في هذه الآية " {غير مسافحات ولا متخذات أخدان} ، قال: الزنا زناءان، المسافحة: السوق القائمة، والمتخذات أخدان، التي تتخذ خدنا واحدا، فحرمهما الله جميعا. وتابع داود سالم بن إسماعيل أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج8/ص195) حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: الزنا وجهان قبيحان، أحدهما أخبث من الآخر، فأما الذي هو أخبثهما: فالمسافحة، التي تفجر بمن أتاها، وأما الآخر: فذات الخِدن. صحيح وإسماعيل بن سالم هو أبو يحيى الأسدي ومعنى قول الشعبي أي المسافحة هي التي تزني بأي شخص يأتي إليها وأما ذات الخدن فهي التي تزني مع خليلها فقط وتكون له وحده فقط
وروي بنحوه أيضًا عن التابعي قتادة السدوسي
أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج8/ص194) حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان"، "المسافحة": البغيّ التي تؤاجر نفسها من عَرَض لها، و"ذات الخدن": ذات الخليل الواحد، فنهاهم الله عن نكاحهما جميعًا. إسناده صحيح يزيد هو ابن زريع وسعيد هو ابن أبي عروبة وقد توبع أخرجه نصر بن إبراهيم المقدسي في كتابه نكاح المتعة (ص70) أخبرني الشيخ الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي، فيما كتب إلي، قال: أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، قال: أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي، قال: حدثنا أبو محمد عبد بن حميد بن نصر الكشي، قال: حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: 25]، قَالَ: الْمُسَافِحَاتُ: هِيَ الْبَغِيُّ الَّتِي تُؤَاجِرُ نَفْسَهَا مَنْ عَرَضَ لَهَا، وَأَمَّا الْمُتَّخِذَاتُ الْأَخْدَانَ: فَذَاتُ الْخِدْنِ الْوَاحِدِ، نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ نِكَاحِهَا جَمِيعًا. صحيح، يونس هو ابن محمد المؤدب وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي التميمي
وأيضًا روي بنحوه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه الطبري في التفسير ت شاكر (ج8/ص195) حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان"، قال: "المسافح" الذي يَلقى المرأة فيفجر بها ثم يذهب وتذهب، و"المخادن"، الذي يقيم معها على معصية الله وتقيم معه، فذاك الأخدان. إسناده صحيح يونس هو ابن عبد الأعلى ثقة وابن وهب هو عبد الله ثقة حافظ
نعود لكلمة الصداقة فنقول ماذا تقصد بالصداقة؟ هل تقصد بالصداقة مثلاً أن تذهب إلى فتاة وتسألها عن حل مسألة معينة أمام الناس أو مثلًا تذهب إلى بيت فتاة ما من أجل تمرين رياضيات فتسألها وأهلها حاضرون ونحو ذلك من الأمور؟ فإن كان نعم، فهذا لا بأس به وقد صح عن مسروق أنه قال لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عائشة رضي الله عنها عن الفرائض (انظر تخريجه هنا) وأما إن كنت تقصد بالصداقة التكلم معها لوحدكما في الدردشة ورسائل وتنفرد بها وضحك إلى آخره فهذا لا فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وقال أيضًا "وَلَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا" أخرجه ابن المبارك في مسنده (ص148) بإسنادٍ صحيحٍ
فإن قال قائل الصداقة أن تذهب إلى بيتها فهذه ليست صداقة فأقول أنا أواكب من يعتبره هكذا ولهذا قلت "ماذا تقصد بالصداقة" لكي أعلم ما يدور في ذهنه
هذا والله تعالى أعلم